والثالث: أن هذا الذي خوفوا به، لو كان مما يود في حال واحدة من أحوال العذاب، أو كان الإنسان يخاف الندم إذا حصل فيه ولا يتيقنه، لوجب عليه اجتنابه.
فإن قيل: كيف جاء بعد " ربما " مستقبل، وسبيلها أن يأتي بعدها الماضي، تقول: ربما لقيت عبد الله؟
فالجواب: أن ما وعد الله حق، فمستقبله بمنزلة الماضي، يدل عليه قوله [تعالى]: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم) وقوله: (ونادى أصحاب الجنة) (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت)، على أن الكسائي والفراء حكيا عن العرب أنهم يقولون: ربما يندم فلان، قال الشاعر:
ربما تجزع النفوس من الأمر * له فرجة كحل العقال ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون (3) قوله تعالى: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا) أي: دع الكفار يأخذوا حظوظهم في الدنيا، (ويلههم الأمل) أي: ويشغلهم ما يأملون في الدنيا عن أخذ حظهم من الإيمان والطاعة (فسوف يعلمون) إذا وردوا القيامة وبال ما صنعوا، وهذا وعيد وتهديد، وهذه الآية عند المفسرين منسوخه بآية السيف.
وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم (4) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون (5) قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية) أي: ما عذبنا من أهل قرية (إلا ولها كتاب معلوم) أي أجل مؤقت لا يتقدم ولا يتأخر عنه. (ما تسبق من أمة أجلها) " من " صلة، والمعنى: ما تتقدم وقتها الذي قدر لها بلوغه، ولا تستأخر عنه. قال الفراء: إنما قال: " أجلها " لأن الأمة لفظها مؤنث، وإنما قال: " يستأخرون " إخراجا له على معنى الرجال.
وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون (6) لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين (7) ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين (8)