ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون (26) والجان خلقناه من قبل من نار السموم (27) وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29) قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان) يعني آدم (من صلصال) وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار، فإذا نقرته صل، فسمعت له صلصلة، قاله ابن عباس، وقتادة، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.
والثاني: أنه الطين المنتن، قاله مجاهد، والكسائي، وأبو عبيد. ويقال: صل اللحم: إذا تغيرت رائحته.
والثالث: أنه طين خلط برمل، فصار له صوت عند نقره، قاله الفراء.
فأما الحمأ، فقال أبو عبيدة: هو جمع حمأة، وهو الطين المتغير. وقال ابن الأنباري: لا خلاف أن الحمأ: الطين الأسود المتغير الريح، وروى السدي عن أشياخه قال: بل التراب حتى صار طينا. ثم ترك حتى أنتن وتغير، وفي المسنون أربعة أقوال:
أحدها: أنه المنتن أيضا، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة في آخرين.
قال ابن قتيبة: المسنون: المتغير الرائحة.
والثاني: أنه الطين الرطب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه المصبوب، قاله أبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيد.
والرابع: أنه المحكوك، ذكره ابن الأنباري، قال: فمن قال: المسنون: المنتن، قال: هو من قولهم: قد تسنى الشئ: إذا أنتن، ومنه قوله تعالى: (لم يتسنه)، وإنما قيل له: مسنون، لتقادم السنين عليه، ومن قال: الطين الرطب، قال: سمي مسنونا، لأنه يسيل وينبسط، فيكون كالماء المسنون المصبوب. ومن قال: المصبوب، احتج بقول العرب: قد سننت علي الماء: إذا صببته. ويجوز أن يكون المصبوب على صورة ومثال، من قوله: رأيت سنة وجهه، أي: صورة وجهه. قال الشاعر:
تريك سنة وجهه غير مقرفة * ملساء ليس بها خال ولا ندب ومن قال: المحكوك، احتج بقول العرب: سننت الحجر على الحجر، إذا حككته عليه.