وفى قوله: (ووحينا) قولان:
أحدهما: وأمرنا لك أن تصنعها.
والثاني: وبتعليمنا إياك كيف تصنعها.
قوله تعالى: (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) فيه قولان:
أحدهما: لا تسألني الصفح عنهم.
والثاني: لا تخاطبني قبل في إمهالهم. وإنما نهي عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لا يجاب فيه.
الإشارة إلى كيفية عمل السفينة روى الضحاك عن ابن عباس قال: كان نوح يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته، يرون أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم. حتى إذا يئس من إيمان قومه، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا، فقال: يا بني، انظر هذا الشيخ لا يغررك، قال: يا أبت أمكني من العصا، فأخذها فضربه ضربة شجة موضحة، وسالت الدماء على وجهه، فقال: رب قد ترى ما يفعل بي عبادك، فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم، وإلا فصبرني إلى أن تحكم، فأوحى الله إليه (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) إلى قوله (تعالى): (واصنع الفلك)، قال: يا رب، وما الفلك؟ قال، بيت من خشب يجري على وجه الماء أنجي فيه أهل طاعتي، وأغرق أهل معصيتي، قال: يا رب، وأين الماء؟ قال: إني على ما أشاء قدير، قال: يا رب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر، فغرس الساج عشرين سنة، وكف عن دعائهم، وكفوا عنه، إلا أنهم يستهزؤون به، فلما أدرك الشجر، أمره ربه، فقطعه وجففه ولفقه، فقال: يا رب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاث صور، رأسه كرأس الطاووس، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة، وبعث الله إليه جبريل يعلمه وأوحى الله إليه أن عجل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على من عصاني، فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام، وحام، ويافث، معه ينحتون السفينة، فجعل طولها ستمائة ذراع، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا، وعلوها ثلاثا وثلاثين، وفجر الله له عين القار تغلي غليانا حتى طلاها. وعن ابن عباس قال: جعل لها ثلاث بطون، فحمل في البطن الأول الوحوش والسباع والهوام، وفي الأوسط الدواب والأنعام، وركب هو ومن معه البطن الأعلى. وروي عن الحسن أنه قال: كانت سفينة نوح طولها ألف ذراع، ومائتا ذراع، وعرضها ستمائة ذراع. وقال قتادة: كانت فيما ذكر لنا طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسمائة ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا. وقال ابن جريج: كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ومائة ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراع، وكان في