فإن قيل: كيف أشارت إليه وهو حاضر بقولها: " فذلكن "؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أنها أشارت ب " ذلكن " إلى يوسف بعد انصرافه من المجلس.
والثاني: أن في الكلام إضمار " هذا " تقديره: فهذا ذلكن. ومعنى " لمتنني فيه " أي: في حبه. ثم أقرت عندهن، فقالت: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) أي: امتنع.
قوله تعالى: (وليكونن من الصاغرين) قال الزجاج: القراءة الجيدة تخفيف " وليكونن " والوقوف عليها بالألف، لأن النون الخفيفة تبدل منهما في الوقف الألف، تقول: اضربا زيدا، وإذا وقفت قلت: اضربا. وقد قرئت " وليكونن " بتشديد النون، وأكرهها، لخلاف المصحف، لأن الشديدة لا يبدل منها شئ. والصاغرون: المذلون.
قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين (33) فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم (34) قوله تعالى: (قال رب السجن أحب إلي) قال وهب بن منبه: لما قالت: " فذلكن الذي لمتنني فيه " قلن: لا لوم عليك، قالت: فأطلبن إلى يوسف أن يسعفني بحاجتي، فقلن: يا يوسف افعل، فقالت: لئن لم يفعل لأخلدنه السجن، فعند ذلك قال: (رب السجن أحب إلي). وقرأ يعقوب: " السجن " بفتح السين ها هنا فحسب. قال الزجاج: من كسر سين " السجن " فعلى اسم المكان، فيكون المعنى: نزول السجن أحب إلي من ركوب المعصية، ومن فتح، فعلى المصدر، المعنى: أن أسجن أحب إلي. (وإلا تصرف عني كيدهن) أي: إلا تعصمني (أصب إليهن) أي: أمل إليهن. يقال: صبا إلى اللهو يصبو صبوا وصبوا وصباء: إذا مال إليه. وقال ابن الأنباري: ومعنى هذا الكلام: اللهم اصرف عني كيدهن، ولذلك قال:
(فاستجاب له ربه).
قال: فإن قيل: إنما كادته امرأة العزيز وحدها، فكيف قال: " كيدهن "؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن العرب توقع الجمع على الواحد، فيقول قائلهم: خرجت إلى البصرة في السفن، وهو لم يخرج إلا في سفينة واحدة.