والرابع: ليتضاعف سرور يعقوب برجوع ولديه.
والخامس: ليعجل سرور أخيه باجتماعه به قبل إخوته. وكل هذه الأجوبة مدخولة، إلا الأول، فإنه الصحيح. ويدل عليه ما روينا عن وهب بن منبه، قال: لما جمع الله بين يوسف ويعقوب، قال له يعقوب: بيني وبينك هذه المسافة القريبة، ولم تكتب إلى تعرفني؟! فقال: إن جبريل أمرني أن لا أعرفك، فقال له: سل جبريل، فسأله، فقال: إن الله أمرني بذلك، فقال:
سل ربك، فسأله، فقال: قل ليعقوب: خفت عليه الذئب، ولم تؤمني؟
وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون (62) قوله تعالى: (وقال لفتيته) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم:
" لفتيته ". وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: " لفتيانه ". قال أبو علي: الفتية جمع فتى في العدد القليل، والفتيان في الكثير. والمعنى: قال لغلمانه: (اجعلوا بضاعتهم) وهي التي اشتروا بها الطعام) (في رحالهم)، والرحل: كل شئ يعد للرحيل. (لعلهم يعرفونها) أي: ليعرفوها (إذا انقلبوا) أي: رجعوا (إلى أهلهم، لعلهم يرجعون) أي: لكي يرجعوا. وفي مقصوده بذلك خمسة أقوال:
أحدها: أنه تخوف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى، فجعل دراهمهم في رحالهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنه أراد أنهم إذا عرفوها، لم يستحلوا إمساكها حتى يردوها، قاله الضحاك.
والثالث: أنه استقبح أخذ الثمن من والده وإخوته مع حاجتهم إليه، فرده عليهم من حيث لا يعلمون سبب رده تكرما وتفضلا، ذكره ابن جرير الطبري، وأبو سليمان الدمشقي.
والرابع: ليعلموا أن طلبه لعودهم لم يكن طمعا في أموالهم، ذكره الماوردي.
والخامس: أنه أراهم كرمه وبره ليكون ادعى إلى عودهم.
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له الحافظون (63) قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين (64)