لاجرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون (22) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (23) مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون (24) قوله تعالى: (لا جرم) قال ابن عباس: يريد: حقا إنهم الأخسرون. وقال الفراء: (لا جرم) كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فجرت على ذلك، وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة (حقا)، ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، لا جرم لقد أحسنت، وأصلها من جرمت، أي: كسبت الذنب. قال الزجاج: ومعنى (لا جرم): (لا) نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى: لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون، أي: كسب لهم ذلك الفعل الخسران. وذكر ابن الأنباري أن (لا) على أهل الكفر فيما قدروه من اندفاع الشر عنهم في الآخرة، والمعنى: لا يندفع عنهم عذابي، ولا يجدون وليا يصرف عنهم نقمتي، ثم ابتدأ مستأنفا (جرم)، قال: وفيها قولان:
أحدهما: أنها بمعنى: كسب كفرهم وما قدروا من الباطل وقوع العذاب بهم. ف (جرم) فعل ماض، معناه: كسب، وفاعله مضمر فيه من ذكر الكفر وتقرير الباطل.
والثاني: أن معنى جرم: أحق وصحح، وهو فعل ماض، وفاعله مضمر فيه، والمعنى:
أحق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم، قال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا أراد: حقت الطعنة فزارة بالغضب. ومن العرب من يغير لفظ (جرم) مع (لا) خاصة، فيقول بعضهم: (لا جرم) ويقول آخرون: (لاجر) باسقاط الميم، ويقال: (لاذا جرم) و (لاذا جر) بغير ميم، و (لا إن ذا جرم) و (لا عن ذا جرم)، ومعنى اللغات كلها: حقا.
قوله تعالى: (وأخبتوا إلى ربهم) فيه سبعة أقوال:
أحدها: خافوا ربهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنابوا إلى ربهم، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: ثابوا إلى ربهم، قاله قتادة.
والرابع: اطمأنوا، قاله مجاهد.
والخامس: أخلصوا، قاله مقاتل.
والسادس: تخشعوا لربهم، قاله الفراء.