ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين (59) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون (60) قوله تعالى: (ولما جهزهم بجهازهم) يقال: جهزت القوم تجهيزا: إذا هيأت لهم ما يصلحهم، وجهاز البيت: متاعه. قال المفسرون: حمل لكل رجل منهم بعيرا، وقال: (ألا ترون أني أوفي الكيل) أي:
أتمه ولا أبخسه، (وأنا خير المنزلين) يعني: المضيفين، وذلك أنه أحسن ضيافتهم. ثم أوعدهم على ترك الإتيان بأخيهم، فقال: (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي) وفيه قولان:
أحدهما: أنه يعني به: فيما بعد، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنه منعهم الكيل في الحال، قاله وهب بن منبه.
قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون (61) قوله تعالى: (قالوا سنراود عنه أباه) أي: نطلبه منه، والمراودة: الاجتهاد في الطلب.
وفي قوله تعالى: (وإنا لفاعلون) ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: وإنا لجاؤوك به، وضامنون لك المجئ به، هذا مذهب الكلبي.
والثاني: أنه توكيد، قاله الزجاج، فعلى هذا، يكون الفعل الذي ضمنوه عائدا إلى المراودة، فيصح معنى التوكيد.
والثالث: وإنا لمديمون المطالبة به لأبينا، ومتابعون المشورة عليه بتوجيهه، وهذا غير المراودة، ذكره ابن الأنباري.
فإن قيل: كيف جاز ليوسف أن يطلب أخاه، وهو يعلم ما في ذلك من إدخال الحزن على أبيه؟ فعنه خمسة أجوبة:
أحدها: أنه يجوز أن يكون ذلك بأمر عن الله تعالى زيادة لبلاء يعقوب ليعظم ثوابه، وهذا الأظهر.
والثاني: أنه طلبه لا ليحبسه، فلما عرفه قال: لا أفارقك يا يوسف، قال: لا يمكنني حبسك إلا أن أنسبك إلى أمر فظيع، قال: أفعل ما بدا لك، قاله كعب.
والثالث: أن يكون قصد تنبيه يعقوب بذلك على حال يوسف.