أحدهما: أنه ذهب بصره، قاله مجاهد.
والثاني: ضعف بصره لبياض تغشاه من كثرة البكاء، ذكره الماوردي. وقال مقاتل: لم يبصر بعينيه ست سنين.
قال ابن عباس: وقوله: " من الحزن) أي: من البكاء، يريد أن عينيه ابيضتا لكثرة بكائه، فلما كان الحزن سببا للبكاء، سمي البكاء حزنا. وقال ثابت البناني: دخل جبريل على يوسف، فقال: أيها الملك الكريم على ربه، هل لك علم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: ما فعل، قال:
ابيضت عيناه، قال: ما بلغ حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى، قال: فهل له على ذلك من أجر؟
قال: أجر مائة شهيد.
وقال الحسن البصري: ما فارق يعقوب الحزن ثمانين سنة، وما جفت عينه، وما أحد يومئذ أكرم على الله منه حين ذهب بصره.
قوله تعالى: (فهو كظيم) الكظيم بمعنى الكاظم، وهو الممسك على حزنه فلا يظهره، قاله ابن قتيبة، وقد شرحنا هذا عند قوله: (والكاظمين الغيظ).
قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين (85) قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون (86) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (87) قوله تعالى: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف) قال ابن الأنباري: معناه: والله، وجواب هذا القسم " لا " المضمرة التي تأويلها: تالله لا تفتأ، فلما كان موضعها معلوما خفف الكلام بسقوطها من ظاهره، كما تقول العرب: والله أقصدك أبدا، يعنون: لا أقصدك، قال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي يريد: لا أبرح، وقالت الخنساء:
فأقسمت آسى على هالك * أو اسأل نائحة مالها