تراه، فقال: سل صواعك، من جعله في رحلي؟ فنقره، وقال: إن صواعي هذا غضبان، وهو يقول: كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت؟ فغضب روبيل، وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا، فإذا مس أحدهم الآخر ذهب غضبه، فقال: والله أيها الملك لتتركنا، أو لأصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها، فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فامسسه، ففعل الغلام، فذهب غضبه، فقال روبيل: ما هذا؟! إن في هذا البلد من ذرية يعقوب؟ قال يوسف: ومن يعقوب؟ فقال: أيها الملك، لا تذكر يعقوب، فإنه إسرائيل الله ابن ذبيح الله ابن خليل الله. فلما لم يجدوا إلى خلاص أخيهم سبيلا، سألوه أن يأخذ منهم بديلا به، فذلك قوله [تعالى]: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا) أي: في سنه، وقيل: في قدره، (فخذ أحدنا مكانه) أي: تستعبده بدلا عنه (إنا نراك من المحسنين) فيه قولان:
أحدهما: فيما مضى.
والثاني: إن فعلت. (قال معاذ الله) قد سبق تفسيره، والمعنى: أعوذ بالله أن نأخذ بريئا بسقيم.
فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين (80) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين (81) قوله تعالى: (فلما استيأسوا منه) أي: يئسوا. وفي هاء " منه " قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى يوسف، فالمعنى: يئسوا من يوسف أن يخلي سبيل أخيهم.
والثاني: إلى أخيهم، فالمعنى: يئسوا من أخيهم.
قوله تعالى: (خلصوا نجيا) أي: اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم، يتناجون ويتناظرون ويتشاورون، يقال: قوم نجي، والجمع أنجية، قال الشاعر:
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه * واضطربت أعناقهم كالأرشيه وإنما وحد " نجيا " لأنه يجري مجرى المصدر الذي يكون للاثنين، والجمع والمؤنث بلفظ واحد. وقال الزجاج: انفردوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم وليس معهم أخوهم.