قوله تعالى: (إن نقول) أي: ما نقول في سبب مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبك إياها، فالذي تظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير. قال ابن قتيبة: يقال:
عراني كذا، واعتراني: إذا ألم بي. ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك: عار، ومنه قول النابغة:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي * على خوف تظن بي الظنون قوله تعالى: (إني أشهد الله...) إلى آخر الآية. حرك ياء " إني " نافع. ومعنى الآية: إن كنتم تقولون: إن الآلهة عاقبتني لطعني عليها، فإني على يقين من عيبها والبراءة منها، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها، (فكيدوني جميعا) أي: احتالوا أنتم وأوثانكم في ضري، ثم لا تمهلون. قال الزجاج: وهذا من أعظم آيات الرسل، أن يكون الرسول وحده وأمته متعاونة عليه، فيقول لهم: كيدوني، فلا يستطيع أحد منهم ضره، وكذلك قال نوح لقومه: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم). وقال محمد صلى الله عليه وسلم: (فإن كان لكم كيد فكيدون).
قوله تعالى: (إلا هو آخذ بناصيتها) قال أبو عبيدة: المعنى: أنها في قبضته وملكه وسلطانه.
فإن قيل: لم خص الناصية؟
فالجواب: أن الناصية هي شعر مقدم الرأس، فإذا أخذت بها من شخص، فقد ملكت سائر بدنه، وذل لك.
قوله تعالى: (إن ربي على صراط مستقيم) قال مجاهد: على الحق. وقال غيره: في الكلام إضمار، تقديره: إن ربي يدل على صراط مستقيم.
فإن قيل: ما وجه المناسبة بين قوله: (إلا هو اخذ بناصيتها) وبين كونه على صراط مستقيم؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق، كان معناه: أنهم لا يخرجون عن قبضته، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب، ولا يخفي عليه مستتر.
والثاني: أن المعنى: أنه وإن كان قادرا عليهم، فهو لا يظلمهم، ولا يريد إلا العدل، ذكرهما ابن الأنباري.
فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا