والثاني: أن المراد بالنعمة ها هنا: محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه نبي ثم يكذبونه، وهذا مروي عن مجاهد، والسدي، والزجاج.
قوله تعالى: (وأكثرهم الكافرون) قال الحسن: وجميعهم كفار، فذكر الأكثر، والمراد به الجميع.
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون (84) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون (85) وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون (86) وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون (87) قوله تعالى: (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) يعني: يوم القيامة، وشاهد كل أمة نبيها يشهد عليها بتصديقها وتكذيبها، (ثم لا يؤذن للذين كفروا) في الاعتذار (ولا هم يستعتبون) أي: لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى ما أمر الله به لأن الآخرة ليست بدار تكليف.
قوله تعالى: (وإذا رأى الذين ظلموا) أي: أشركوا (العذاب) يعني: النار (فلا يخفف عنهم) العذاب (ولا هم ينظرون) لا يؤخرون، ولا يمهلون. (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم) يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله في العبادة، وذلك أن الله يبعث كل معبود من دونه، فيقول المشركون: (ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو) أي: نعبد من دونك.
فإن قيل: فهذا معلوم عند الله تعالى، فما فائدة قولهم: " هؤلاء شركاؤنا "؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنهم لما كتموا الشرك في قولهم: والله ما كنا مشركين، عاقبهم الله تعالى بإصمات ألسنتهم، وإنطاق جوارحهم، فقالوا عند معاينة آلهتهم: (ربنا هؤلاء شركاؤنا) أي: قد أقررنا بعد الجحد، وصدقنا بعد الكذب، التماسا للرحمة، وفرارا من الغضب، وكأن هذا القول منهم على وجه الاعتراف بالذنب، لا على وجه إعلام من لا يعلم.
والثاني: أنهم لما عاينوا عظم غضب الله تعالى قالوا: هؤلاء شركاؤنا، تقدير أن يعود عليهم من هذا القول روح، وأن تلزم الأصنام إجرامهم، أو بعض ذنوبهم إذ كانوا يدعون لها العقل والتمييز، فأجابتهم الأصنام بما حسم طمعهم.