مروي عن أبي عبيدة، والفراء ينكره.
والثاني: أن الاستثناء من الآية التي قبل هذه، تقديره: حتى يروا العذاب الأليم إلا قوم يونس، فالاستثناء على هذا متصل غير منقطع.
قوله تعالى: (كشفنا عنهم) أي: صرفنا عنهم (عذاب الخزي) أي: عذاب الهوان والذل (ومتعناهم إلى حين) أي: إلى حين آجالهم.
الإشارة إلى شرح قصتهم ذكر أهل العلم بالسير والتفسير أن قوم يونس كانوا ب (نينوى) من أرض الموصل، فأرسل الله عز وجل إليهم يونس يدعوهم إلى الله ويأمرهم بترك الأصنام، فأبوا، فأخبرهم أن العذاب مصبحهم بعد ثلاث، فلما تغشاهم العذاب، قال ابن عباس، وأنس: لم يبق بين العذاب وبينهم إلا قدر ثلثي ميل، وقال مقاتل: قدر ميل، وقال أبو صالح عن ابن عباس: وجدوا حر العذاب على أكتافهم، وقال سعيد بن جبير: غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر، وقال بعضهم: غامت السماء غيما أسود يظهر دخانا شديدا، فغشي مدينتهم، واسودت سطوحهم، فلما أيقنوا بالهلاك لبسوا المسوح، وحثوا على رؤوسهم الرماد، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام، وعجوا إلى الله (تعالى) بالتوبة الصادقة، وقالوا: آمنا بما جاء به يونس، فاستجاب الله منهم.
قال ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم بينهم، حتى أن كان الرجل ليأتي إلى الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه، فيرده. وقال أبو الجلد: لما غشيهم العذاب، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا: ما ترى؟ قال: قولوا: يا حي حين لا حي، يا حي محيي الموتى، يا حي لا إله إلا أنت، فقالوها، فكشف العذاب عنهم. قال مقاتل: عجوا إلى الله أربعين ليلة، فكشف العذاب عنهم. وكانت التوبة عليهم في يوم عاشوراء يوم الجمعة. قالوا: وكان يونس قد خرج من بين أظهرهم، فقيل له: ارجع إليهم، فقال كيف أرجع إليهم فيجدوني كاذبا؟ وكان من يكذب بينهم ولا بينة له يقتل، فانصرف مغاضبا، فالتقمه الحوت. وقال أبو صالح عن ابن عباس: أوحى (الله) إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له شعيا، فقيل له: ائت فلانا الملك، فقل له يبعث إلى بني إسرائيل نبيا قويا أمينا، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال الملك ليونس: اذهب إليهم، فقال: ابعث غيري، فعزم عليه أن يذهب، فأتى بحر الروم، فركب سفينة، فالتقمه الحوت، فلما خرج من بطنها أمر أن ينطلق إلى قومه نذيرا لهم، فأبوا عليه، فوعدهم بالعذاب، وخرج، فلما تابوا رفع عنهم. والقول الأول أثبت عند العلماء، وأنه إنما