قوله تعالى، (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) ملته: دينه.
وفيما أمر باتباعه من ذلك قولان:
أحدهما: أنه أمر باتباعه في جميع ملته، إلا ما أمر بتركه، وهذا هو الظاهر.
[والثاني: اتباعه في التبرؤ من الأوثان، والتدين بالإسلام، قاله أبو جعفر الطبري]. وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع المفضول، لأن رسولنا أفضل الرسل، وإنما أمر باتباعه، لسبقه إلى القول بالحق.
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (124) قوله تعالى: (إنما جعل السبت) أي: إنما فرض تعظيمه وتحريمه، وقرأ الحسن، وأبو حيوة: " إنما جعل " بفتح الجيم والعين " السبت " بنصب التاء (على الذين اختلفوا فيه) والهاء ترجع إلى السبت. وفي معنى اختلافهم فيه قولان:
أحدهما: أن موسى قال لهم: تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما، فاعبدوه في يوم الجمعة، ولا تعملوا فيه شيئا من صنيعكم، فأبوا أن يقبلوا ذلك، وقالوا: لا نبتغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق، وهو يوم السبت، فجعل ذلك عليهم، وشدد عليهم فيه، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وقال مقاتل: لما أمرهم موسى بيوم الجمعة، قالوا: نتفرغ يوم السبت، فإن الله لم يخلق فيه شيئا، فقال: إنما أمرت بيوم الجمعة، فقال أحبارهم: انتهوا إلى أمر نبيكم، فأبوا فذلك اختلافهم، فلما رأى موسى حرصهم على السبت، أمرهم به، فاستحلوا فيه المعاصي. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: رأى موسى رجلا يحمل قصبا يوم السبت، فضرب عنقه، وعكفت عليه الطير أربعين صباحا. وذكر ابن قتيبة في " مختلف الحديث ": أن الله تعالى بعث موسى بالسبت، ونسخ السبت بالمسيح.
والثاني: أن بعضهم استحله، وبعضهم حرمه، قاله قتادة.
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (125)