الحقيقة كذلك: ولهذا المعنى قال في صفتها: (أمن) لأنهم جعلوها كمن يعقل. ولما أعطاها حقها في أصل وضعها. قال: (يا أبت لم تعبد مالا يسمع). وقال الفراء: (أمن لا يهدي) أي: أتعبدون مالا يقدر أن ينتقل من مكانه إلا أن يحول؟ وقد صرف بعضهم الكلام إلى الرؤساء والمضلين، والأول أصح.
قوله تعالى: (فمالكم) قال الزجاج: هو كلام تام، كأنه قيل لهم: أي شئ لكم في عبادة الأوثان؟ ثم قيل لهم: (كيف تحكمون) أي: على أي حال تحكمون؟ وقال ابن عباس:
كيف تقضون لأنفسكم؟ وقال مقاتل: كيف تقضون بالجور؟
* * * وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون (36) قوله تعالى: (وما يتبع أكثرهم) أي: كلهم (إلا ظنا) أي: ما يستيقنون أنها آلهة، بل يظنون شيئا فيتبعونه. (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) أي: ليس هو كاليقين، ولا يقوم مقام الحق، وقال مقاتل: ظنهم بأنها آلهة لا يدفع عنهم من العذاب شيئا، وقال غيره: ظنهم أنها تشفع لهم لا يغني عنهم.
* * * وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (37) قوله تعالى: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) قال الزجاج: هذا جواب قولهم: (ائت بقرآن غير هذا أو بدله) وجواب قولهم: (افتراه). قال الفراء: ومعنى الآية: ما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى (من دون الله) فجاءت (أن) على معنى ينبغي.
وقال ابن الأنباري: يجوز أن تكون (أن) مع (يفترى) مصدرا، وتقديره: وما كان هذا القرآن افتراء. ويجوز أن تكون (كان) تامة، فيكون المعنى: ما نزل هذا القرآن، وما ظهر هذا القرآن لأن يفترى، وبأن يفترى، فتنصب (أن) بفقد الخافض في قول الفراء، وتخفض باضمار الخافض في قول الكسائي: وقال ابن قتيبة: معنى (أن يفترى) أي: يضاف إلى غير الله، أو يختلق.