والثامن: أنه صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخايله، لأن كل عاقل نظر إليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هاء (منه) ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها ترجع إلى الله تعالى.
والثاني: إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والثالث: إلى البينة.
قوله تعالى: (ومن قبله) في هذه الهاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.
والثاني: إلى القرآن، قاله ابن زيد.
والثالث: إلى الإنجيل، أي: ومن قبل الإنجيل (كتاب موسى) يتبع محمدا بالتصديق له، ذكره ابن الأنباري. قال الزجاج: والمعنى: وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون (كتاب موسى) عطفا على قوله (تعالى): (ويتلوه شاهد منه) أي: ويتلوه كتاب موسى (عليه السلام) لأن موسى وعيسى (عليهما السلام) بشرا بالنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل. ونصب (إماما) على الحال.
فإن قيل: كيف تتلوه التوراة، وهي قبله؟
قيل: لما بشرت به، كانت كأنها تاليه له، لأنها تبعته بالتصديق له.
وقال ابن الأنباري: (كتاب موسى) مفعول في المعنى، لأن جبريل تلاه على موسى (عليه السلام)، فارتفع الكتاب، وهو مفعول بمضمر بعده، تأويله: ومن قبله كتاب موسى كذاك، أي: تلاه جبريل أيضا، كما تقول العرب: أكرمت أخاك وأبوك، فيرفعون الأب، وهو مكرم على الاستئناف، بمعنى. وأبوك مكرم أيضا. قال: وذهب قوم إلى أن كتاب موسى فاعل، لأنه تلا محمدا بالتصديق كما تلاه الإنجيل.
فصل فتلخيص الآية: أفمن كان على بينة من ربه كمن لم يكن؟ قال الزجاج: ترك المضاد له، لأن في ما بعده دليلا عليه، وهو قوله: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم). وقال ابن قتيبة: لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إلى الدنيا، جاء بهذه الآية، وتقدير الكلام: أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إذ كان فيه دليل عليه. وقال ابن الأنباري: إنما حذف لانكشاف المعنى، والمحذوف المقدر كثير في القرآن والشعر، قال الشاعر:
فأقسم لو شئ أتانا رسوله * سواك، ولكن لم نجد لك مدفعا