والسابع: تواضعوا لربهم، قاله ابن قتيبة.
فإن قيل: لم أوثرت (إلى) على اللام في قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) والعادة جارية بأن يقال: أخبتوا لربهم؟
فالجواب: أن المعنى: وجهوا خوفهم وخشوعهم وإخلاصهم إلى ربهم، واطمأنوا إلى ربهم. قال الفراء: وربما جعلت العرب (إلى) في موضع اللام، كقوله (تعالى): (بأن ربك أوحى لها)، وقوله (تعالى): (الذي هدانا لهذا). وقد يجوز في العربية: فلان يخبت إلى الله، يريد: يفعل ذلك موجهه إلى الله. قال بعض المفسرين: هذه الآية نازلة في أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم)، وما قبلها نازل في المشركين. ثم ضرب للفريقين مثلا، فقال (تعالى): (مثل الفريقين كالأعمى والأصم) قال مجاهد: الفريقان: المؤمن والكافر. فأما الأعمى والأصم فهو الكافر، وأما البصير والسميع فهو المؤمن. قال قتادة: الكافر عمي عن الحق وصم عنه، والمؤمن أبصر الحق وسمعه ثم انتفع به. وقال أبو عبيدة: في الكلام ضمير، تقديره: مثل الفريقين كمثل الأعمى. وقال الزجاج: مثل الفريقين المسلمين كالبصير والسميع، ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم، لأنهم في عداوتهم وتركهم للفهم بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر.
قوله تعالى: (هل يستويان مثلا) أي: هل يستويان في المشابهة؟
والمعنى: كما لا يستويان عندكم، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر عند الله (عز وجل) وقال أبو عبيدة: (هل) هاهنا بمعنى الإيجاب، لا بمعنى الاستفهام، والمعنى: لا يستويان.
قال الفراء: وإنما لم يقل: (يستوون) لأن الأعمى والأصم من صفة واحد، والسميع والبصير من صفة واحد، كقول القائل: مررت بالعاقل واللبيب، وهو يعني واحدا، قال الشاعر:
وما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني فقال: أيهما. وإنما ذكر الخير وحده، لأن المعنى يعرف، إذا لمبتغي للخير متق للشر.
وقال ابن الأنباري: الأعمى والأصم صفتان لكافر، والسميع والبصير صفتان لمؤمن، فرد الفعل إلى الموصوفين بالأوصاف الأربعة، كما تقول: العاقل والعالم، والظالم والجاهل، حضرا مجلسي، فتثني الخبر بعد ذكرك أربعة، لأن الموصوف بالعلم هو الموصوف بالعقل، وكذلك المنعوت بالجهل هو المنعوت بالظلم، فلما كان المنعوتان اثنين، رجع الخبر إليهما، ولم يلتفت إلى تفريق الأوصاف، ألا ترى أنه يسوغ أن تقول: الأديب واللبيب والكريم والجميل قصدني، فتوحد الفعل بعد أوصاف لعلة أن الموصوف بهن واحد، ولا يمتنع عطف النعوت على