والرابع: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو، وعبد الله بن أسيد الثقفي، قاله مقاتل.
فأما قوله تعالى: (من بعد ما فتنوا) فقرأ الأكثرون: " فتنوا " بضم الفاء وكسر التاء، على معنى: من بعد ما فتنهم المشركون عن دينهم. قال ابن عباس: فتنوا بمعنى: عذبوا. وقرأ عبد الله بن عامر: " فتنوا " بفتح الفاء والتاء، على معنى: من بعد ما فتنوا الناس عن دين الله، يشير إلى من أسلم من المشركين. وقال أبو علي: من بعد ما فتنوا أنفسهم بإظهار ما أظهروا للتقية، لأن الرخصة لم تكن نزلت بعد.
قوله تعالى: (ثم جاهدوا) أي: قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصبروا) على الدين والجهاد.
(إن ربك من بعدها) في المكني عنها أربعة أقوال:
أحدها: الفتنة، وهو مذهب مقاتل.
والثاني: الفعلة التي فعلوها، قاله الزجاج.
والثالث: المجاهدة، والمهاجرة، والصبر.
والرابع: المهاجرة. ذكرهما واللذين قبلهما ابن الأنباري.
قوله تعالى: (يوم تأتي) قال الزجاج: هو منصوب على أحد شيئين، إما على معنى: إن ربك لغفور يوم تأتي، وإما على معنى: اذكر يوم تأتي. ومعنى (تجادل عن نفسها) أي: عنها.
والمراد: أن كل إنسان يجادل عن نفسه. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لكعب الأحبار: يا كعب خوفنا، فقال: إن لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع جاثيا على ركبتيه، حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليدلي بالخلة فيقول: " يا رب أنا خليلك إبراهيم، لا أسألك إلا نفسي "، وإن تصديق ذلك في كتاب الله (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها). وقد شرحنا معنى " الجدال " في هود.
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون (112)