أحدها: أنه نزل في عمار بن ياسر، أخذه المشركون فعذبوه، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
والثاني: أنه لما نزل قوله: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم..) إلى آخر الآيتين اللتين في سورة النساء كتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى من كان بمكة، فخرج ناس ممن أقر بالإسلام، فاتبعهم المشركون، فأدركوهم، فأكرهوهم حتى أعطوا الفتنة، فنزل (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثالث: أنه نزل في عياش بن أبي ربيعة، كان قد هاجر فحلفت أمه ألا تستظل ولا تشبع من طعام حتى يرجع، فرجع إليها، فأكرهه المشركون حتى أعطاهم بعض ما يريدون، قاله ابن سيرين.
والرابع: أنه نزل في جبر، غلام ابن الحضرمي، كان يهوديا فأسلم، فضربه سيده حتى رجع إلى اليهودية، قاله مقاتل. وأما قوله: (ولكن من شرح بالكفر صدرا) فقال مقاتل: هم النفر المسمون في أول الآية.
فأما التفسير، فاختلف النحاة في قوله: (من كفر) وقوله: (ولكن من شرح) فقال الكوفيون: جوابهما جميعا في قوله: (فعليهم غضب)، فقال البصريون: بل قوله: (من كفر) مرفوع بالرد على (الذين لا يؤمنون). قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون خبر (من كفر) محذوفا، لوضوح معناه، تقديره: من كفر بالله، فالله عليه غضبان.
قوله تعالى: (وقلبه مطمئن بالإيمان) أي: ساكن إليه راض به. (ولكن من شرح بالكفر صدرا) قال قتادة: من أتاه بإيثار واختيار. وقال ابن قتيبة: من فتح له صدره بالقبول. وقال أبو عبيدة: المعنى: من تابعته نفسه، وانبسط إلى ذلك، يقال: ما ينشرح صدري بذلك، أي: ما يطيب. وجاء قوله: (فعليهم غضب) على معنى الجميع، لأن " من " تقع على الجميع.
فصل الإكراه على كلمة الكفر يبيح النطق بها. وفي الإكراه المبيح لذلك عن أحمد روايتان:
إحداهما: أنه يخاف على نفسه أو على بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمر به.
والثانية: أن التخويف لا يكون إكراها حتى ينال بعذاب. وإذ ثبت جواز " التقية " فالأفضل ألا يفعل، نص عليه أحمد، في أسير خير بين القتل وشرب الخمر، فقال: إن صبر على القتل فله