حمزة قد شق بطنه، وجدعت أذناه، فقال: " لولا أن تحزن النساء، أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير، ولأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم "، فنزل قوله: (ادع إلى سبيل ربك) إلى قوله: (وما صبرك إلا بالله). وروى الضحاك عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: " لئن ظفرت بقاتل حمزة لأمثلن به مثلة تتحدث بها العرب "، وكانت هند وآخرون معها قد مثلوا به، فنزلت هذه الآية.
والثاني: أنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة، ومثلوا بقتلاهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما من الدهر، لنزيدن على عدتهم مرتين، فنزلت هذه الآية، قاله أبي بن كعب. وروى أبو صالح عن ابن عباس أن المسلمين قالوا: لئن أمكننا الله منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات، فنزلت هذه الآية، يقول: إن كنتم فاعلين، فمثلوا بالأموات، كما مثلوا بأمواتكم. قال ابن الأنباري: وإنما سمى فعل المشركين معاقبة وهم ابتدؤوا بالمثلة، ليزدوج اللفظان، فيخف على اللسان، كقوله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها).
فصل واختلف العلماء، هل هذه [الآية] منسوخة، أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنها نزلت قبل (براءة) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من قاتله، ولا يبدأ بالقتال، ثم نسخ ذلك، وأمر بالجهاد، قاله ابن عباس، والضحاك، فعلى هذا يكون المعنى: (ولئن صبرتم) عن القتال، ثم نسخ هذا بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم).
والثاني: أنها محكمة، وإنما نزلت فيمن ظلم ظلامة، فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما ناله الظالم منه، قاله مجاهد، والشعبي، والنخعي، وابن سيرين، والثوري، وعلى هذا يكون المعنى: ولئن صبرتم عن المثلة، لا عن القتال.
قوله تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله) أي: بتوفيقه ومعونته. وهذا أمر بالعزيمة. وفي قوله: (ولا تحزن عليهم) قولان:
أحدهما: على كفار مكة إن لم يسلموا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: ولا تحزن على قتلى أحد، فإنهم أفضوا إلى رحمة الله، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.
قوله تعالى: (ولا تك في ضيق) قرأ الأكثرون بنصب الضاد، وقرأ ابن كثير: " في ضيق "