تأمرون) قول فرعون. ومثله (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) هذا قول بلقيس (وكذلك يفعلون) قول الله عز وجل. ومثله (من بعثنا من مرقدنا) هذا قول الكفار، فقالت الملائكة: (هذا ما وعد الرحمن) وإنما يجوز مثل هذا في الكلام، لظهور الدلالة على المعنى. واختلفوا، أين قال يوسف هذا؟ على قولين:
أحدهما: أنه لما رجع الساقي إلى يوسف فأخبره وهو في السجن بجواب امرأة العزيز والنسوة للملك، قال حينئذ: " ذلك ليعلم "، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن جريج.
والثاني: أنه قاله بعد حضوره مجلس الملك، رواه عطاء عن ابن عباس.
قوله تعالى: (ذلك ليعلم) أي: ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك، ليعلم.
واختلفوا في المشار إليه بقوله: " ليعلم " وقوله تعالى: (لم أخنه) على أربعة أقوال:
أحدها: أنه العزيز، والمعنى: ليعلم العزيز أني لم أخنه في امرأته (بالغيب) أي: إذا غاب عني، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، والجمهور.
والثاني: أن المشار إليه بقوله: " ليعلم " الملك، والمشار إليه بقوله: " لم أخنه " العزيز، والمعنى: ليعلم الملك أني لم أخن العزيز في أهله بالغيب، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أن المشار إليه بالشيئين، الملك، فالمعنى: ليعلم الملك أني لم أخنه، يعني الملك أيضا، بالغيب. وفي وجه خيانة الملك في ذلك قولان:
أحدهما: لكون العزيز وزيره، فالمعنى: لم أخنه في امرأة وزيره، قاله ابن الأنباري.
والثاني: لم أخنه في بنت أخته، وكانت أزليخا بنت أخت الملك، قاله أبو سليمان الدمشقي.
والثالث: أن المشار إليه بقوله: " ليعلم " الله عز وجل، فالمعنى: ليعلم الله أني لم أخنه، روي عن مجاهد، قال ابن الأنباري: نسب العلم إلى الله في الظاهر، وهو في المعنى للمخلوقين، كقوله: (حتى نعلم المجاهدين منكم).
فإن قيل: إن كان يوسف قال هذا في مجلس الملك، فكيف قال: " ليعلم " ولم يقل:
لتعلم، وهو يخاطبه؟
فالجواب: أنا إن قلنا: إنه كان حاضرا عند الملك، فإنما آثر الخطاب بالياء توقيرا للملك،