لا يشترط في صدق المشتق بقاء مأخذ الاشتقاق.
وفيه (أولا) - أن صدق هذا المشتق إنما يقتضي جواز اطلاق المثمرة على ما أثمرت في وقت ما وإن لم تكن مثمرة في الحال، لا اطلاقها على ما من شأنها ذلك لأنه لا خلاف في أن اطلاق المشتق على ما سيتصف بمبدأ الاشتقاق مجاز البتة.
و (ثانيا) - أن المسألة المذكورة وإن كان مما طال فيها الجدال وانتشرت فيها الأقوال حتى في تحريم محل النزاع، كما فصلنا ذلك في المقدمة التاسعة - إلا أن التحقيق أنه إن جعل موضع النزاع ما هو أعم من المشتق أو ما جرى مجراه مع طرو الضد الوجودي وعدمه، فالحق هو القول بالاشتراط، كما هو قول جملة من علماء الأصول، واختاره المحدث الأمين الاسترآبادي في تعليقاته على شرح المدارك. حيث قال: الحق عندي أنه لا بد - في بقاء صدق المعنى الحقيقي اللغوي للمشتق على ذات - من بقاء الحالة التي هي مناط حدوث صدقه، سواء كانت الحالة المذكورة قيام مبدأ الاشتقاق أو ما يحذو حذوه، ودليلي على ذلك (أولا) - أنه من الأمور البينة اشتراط ذلك في كثير من الصور، كالبارد والحار والهابط والصاعد والمتحرك والأبيض والأحمر والمملوك والموجود. ومن القواعد الظاهرة أن قاعدة الوضع اللغوي في كل صنف من أصناف المشتقات واحدة، ولولا البناء على القواعد الظاهرية لبطلت قواعد كثيرة من فنون العربية. و (ثانيا) - مقتضى النظر الدقيق ومذهب المحققين أن معنى المشتقات كالعالم أمر بسيط، ومقتضى ظاهر النظر ما اشتهر بين اللغويين من أن معناه شئ قام به العلم، والوجدان حاكم بأنه ليس هنا بسيط يصلح سوى لا بشرط مأخذ الاشتقاق، فلا بد في بقاء معناه من بقائه. ثم اعلم أنه قد يصير بعض الألفاظ المشتقة حقيقة عرفية عامة أو خاصة أو مجازا مشهورا عند جماعة أو عاما فيما يعم معناه اللغوي وما في حكمه عرفا أو شرعا، ومنه: المؤمن والكافر وأشباههما. ومن الأمور العجيبة أنه طال التشاجر بينهم في هذه المسألة من غير فصل