ثم قال: " ومن زاد على مرتين لم يؤجر " وهو أقصى غاية الحد في الوضوء الذي من تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء، وكان كمن صلى الظهر خمس ركعات، ولو لم يطلق (عليه السلام) في المرتين لكان سبيلهما سبيل الثلاث " انتهى.
والمفهوم من هذا الكلام أن مراده الجمع بين أخبار المرة والمرتين والثلاث، بحمل أخبار المرة على أنه الوضوء الشرعي المأمور به، وأخبار المرتين على من أراد سنة الاسباغ ولم تقنعه المرة لذلك، وإلا فاجزاء المرة - للقدر الواجب الذي كالدهن حقيقة أو مجازا - مما لا ريب فيه، فيغسل حينئذ بالمرتين، وهو أقصى الحد في الوضوء ومنتهى الرخصة في الزيادة فيه، وأخبار الثلاث الدالة على عدم الأجر بعد تجاوز الثنتين على من تجاوز هذا الحد إلى الغسل بثالثة، فإنه يأثم وليس له وضوء، ويمكن توجيهه بأن الثالثة - بعد غسل العضو غسلا مسبغا بالثنتين - لا مدخل لها في أداء الواجب بل هي زائدة من تلك الجهة، كزيادة الركعة الخامسة بعد الاتيان بالواجب التي هي الأربع، ولا دليل هنا على استحباب التكرار بعد أداء الواجب المتصف بكمال سنة الاسباغ، والضمير في قوله: " وهو أقصى غاية الحد " راجع إلى ما تقدم من الوضوء مرتين، ومحصل الكلام أن الوضوء الشرعي إنما هو مرة مرة، وأخبار المرتين إنما هي لمن لم تقنعه المرة في أداء الواجب كاملا، وهذا غاية الحد في الوضوء، فمن زاد على ذلك أثم وبطل وضوؤه، وهو المراد من عدم الأجر كما أشرنا إليه آنفا، ولعل منشأ ما ذكروه توهم عود الضمير المذكور إلى قوله: " ومن زاد على مرتين " بمعنى أن الزيادة على المرتين أقصى غاية الحد، وهو توهم ظاهر البطلان، لأن جعل الزيادة على المرتين الذي هو عبارة عن التثنية أقصى غاية الوضوء يدل على دخول تلك الزيادة في الوضوء الشرعي وأنها جزء منه، فتكون الثانية بعد تمام الغسل بالمرتين من جملة الوضوء وأجزائه، وأن الإثم وعدم الوضوء إنما ينصرف حينئذ إلى من تجاوزها، ويصير حديث التمثيل بمن صلى الظهر خمس ركعات إنما هو لمن زاد عليها، فكيف يصح حينئذ نفي الأجر عنها بقوله: