العباسي، وقيل: سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
ارتضع من ثدي الإيمان والشرف والسؤدد، من أمه الكريمة فاطمة، حيث عنت بتربيته وتربية أخيه الشريف الرضي عناية بالغة، خصوصا عندما أحسنت بعظمة المسؤولية المطروحة على عاتقها مباشرة في عصر غيبة والدهما الشريف في منفاه، وذلك بحكم الجائرين والمتسلطين آنذاك، نجد هذه السيدة الجليلة قصدت بنفسها شيخ الطائفة الإمامية وزعيمها الفقيه المتكلم، ابن المعلم الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري، ملتمسة منه أن يتولى تعليمهما.
قال ابن أبي الحديد: حدثني فخار بن معد العلوي الموسوي رحمه الله قال: رأى المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان الفقيه الإمام كأن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما السلام صغيرتين فسلمتهما إليه وقالت له: علمهما الفقه. فانتبه متعجبا من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا، دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها محمد الرضي وعلي المرتضى صغيرين، فقام إليها وسلم عليها، فقالت له: أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلمهما الفقه، فبكى أبو عبد الله، وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما الفقه، وأنعم الله عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باق ما بقي الدهر " (1).
ودعت هذه الأم الحنونة رضوان الله تعالى عليها دار الحياة الفانية بعد أن اطمأنت على ولديها، وقرت عيناها بهما، وذلك في شهر ذي الحجة الحرام من السنة الخامسة والثمانين بعد الثلاثمائة، حيث كان عمر الشريف المرتضى آنذاك