وقال مالك: إن الراحلة لا يعتبر بها (1) وجوب الحج، ومن أطاق الحج لزمه الحج ماشيا. فأما الزاد فلا يعتبر القدرة عليه وحصوله، بل إن كان ذا صنعة يمكنه الاكتساب بها في طريقه لزمه الحج، وإن لم يكن ذا صنعة وكان يحسن السؤال وجرت عادته به لزمه أيضا الحج، فإن لم تجر عادته به لم يلزمه (2).
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرر ذكره: أنه لا خلاف في أن ما حاله من ذكرناه أن الحج يلزمه، فمن ادعى أن الصحيح الجسم إذا خلا من سائر (3) الشرائط التي ذكرناها يلزمه الحج فقد ادعى وجوب حكم شرعي في الذمة وعليه الدليل، لأن الأصل براءة الذمة.
وأيضا قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (4).
والاستطاعة في عرف الشرع وعهد اللغة أيضا عبارة عن تسهيل الأمر وارتفاع المشقة فيه، وليست بعبارة عن مجرد القدرة.
ألا ترى أنهم يقولون: ما أستطيع النظر إلى فلان، إذا كان يبغضه ويمقته ويثقل عليه النظر إليه، وإن كانت معه قدرة على ذلك.
وكذلك يقولون: لا أستطيع شرب هذا الدواء، يريدون إنني أنفر منه ويثقل علي.
وقال الله تعالى: (إنك لن تستطيع معي صبرا) (5) وإنما أراد هذا المعنى لا محالة.
.