وأيضا لو لم تكن تكبيرة الافتتاح من الصلاة، ما كان الوضوء شرطا فيه، لأن الوضوء إنما هو شرط في أفعال الصلاة دون ما هو خارج عنها.
فإن قيل: إنما هو شرط فيه الوضوء لأن الصلاة عقيبه بلا فصل، فلو وقع بغير وضوء لدخل في أول جزء من الصلاة بغير وضوء.
قلنا: ليس الأمر كذلك، لأنا لو فرضنا رجلا مستقبلا للقبلة وعلى يمينه حوض عال يقدر أن يتناول منه الماء بغير مشقة، فابتدأ بأول التكبير ومد بقوله: (الله) صوته، وهو في حال امتداد صوته يتوضأ من ذلك الماء، حتى يكون فراغه من آخر الوضوء قبل أن يختم لفظ التكبير بحرف أو حرفين، فمعلوم أن هذا جائز (1)، فعلمنا أن الوضوء شرط في التكبير نفسه لا للتعذر (2) من وقوع الصلاة عقبه بغير وضوء.
فإن تعلق المخالف بقوله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (3) فجعله مصليا عقيب الذكر، لأن الفاء للتعقيب، والذكر الذي يكون عقيبه الصلاة وهو ذكر الافتتاح، فلو كان من الصلاة لكان مصليا معه، والله تعالى جعله مصليا عقيبه.
والجواب عن ذلك: أنا لا نسلم أن المراد بالذكر تكبيرة الافتتاح، بل لا نمنع أن يراد به الأذكار التي يؤتى بها قبل الصلاة من الخطبة والأذان.
على أن أصحابنا يذهبون إلى أنه مسنون للمصلي أن يكبر تكبيرات قبل تكبيرة الافتتاح التي هي الفرض، وليست هذه التكبيرات من الصلاة، فيجوز أن يحمل الذكر الذي تضمنته الآية على هذه التكبيرات (4).
.