محدود، وقد جرعته الدنيا علاقمها، وعلته عللا بعد نهل (1) من صابها وصبرها، ولقي منها برحا بارحا وجهدا جهيدا، وعلا عليه من هو دونه، وحكم فيه وفي بنيه وأهله ورهطه من لم يكن ما ناله من الأمرة والسلطان في حسابه، ولا دائرا في خلده ولا خاطرا بباله، ولا كان أحد من الناس يرتقب ذلك له ولا يراه له، ثم كان في آخر الأمر أن قتل هذا الرجل الجليل في محرابه، وقتل بنوه بعده، وسبي حريمه ونساؤه وتتبع أهله وبنو عمه بالقتل والطرد والتشريد والسجون مع فضلهم وزهدهم وعبادتهم وسخائهم وانتفاع الخلق بهم؟
فهل يمكن ألا يتعصب البشر كلهم مع هذا الشخص؟ وهل تستطيع القلوب ألا تحبه وتهواه وتذوب فيه وتفنى في عشقه انتصارا له وحمية من أجله وأنفة مما ناله، وامتعاضا مما جرى عليه (2)؟ وهذا أمر مركوز في الطباع ومخلوق في الغرائز كما يشاهد الناس على الجرف إنسانا قد وقع في الماء العميق وهو لا يحسن السباحة، فإنهم بالطبع البشرى يرقون عليه رقة شديدة، وقد يلقي قوم منهم أنفسهم في الماء نحوه يطلبون تخليصه لا يتوقعون على ذلك مجازاة منه بمال أو شكر ولا ثوابا في الآخرة، فقد يكون منهم من لا يعتقد أمر الآخرة ولكنها رقة بشرية، وكأن الواحد منهم يتخيل في نفسه أنه ذلك الغريق، فكما يطلب خلاص نفسه لو كان هذا الغريق كذلك يطلب تخليص من هو في تلك الحال الصعبة للمشاركة الجنسية.
وكذلك لو أن ملكا ظلم أهل بلد من بلاده ظلما عنيفا لكان أهل ذلك البلد يتعصب بعضهم لبعض في الانتصار من ذلك الملك والاستعداء عليه، فلو كان من جملتهم رجل عظيم القدر جليل الشأن قد ظلمه الملك أكثر من ظلمه إياهم، و