فقال للزوج: ما تقول؟ هكذا طلقت؟ قال: نعم، فقيل لما قال كاد المجلس يرتج بأهله وبنو أمية ينظرون إلا أنهم لا ينطقون بشئ، كل ينظر إلى وجه عمر، فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقول، ثم رفع رأسه وقال:
إذا ولي الحكومة بين قوم * أصاب الحق والتمس السدادا وما خير الأنام إذا تعدى * خلاف الحق واجتنب الرشادا ثم قال للقوم: ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله قولوا، فقال رجل من بني أمية: هذا حكم فرج، ولسنا نجتري على القول فيه، وأنت عالم بالقول، مؤتمن لهم وعليهم، فقال: قل ما عندك فإن القول ما لم يحق باطلا أو يبطل حقا جائز علي في مجلسي. قال: لا أقول شيئا، فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب، قال: ما تقول فيما حلف عليه هذا الرجل يا عقيلي؟ فاغتنمها فقال: يا أمير المؤمنين إن جعلت قولي حكما، وحكمي جائزا قلت، وإن لم يكن ذلك فالسكوت أولى وأوسع لي وأبقى للمودة؟ فقال: قولك حكم، وحكمك ماض.
قال: فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا: ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذا جعلت الحكم إلى غيرنا ونحن من لحمتك وأولي رحمك. فقال عمر: اسكتوا عجزا ولوما، عرضت ذلك عليكم فما أبديتم له، فقالوا: ما أعطيتنا مثل ما أعطيت العقيلي و لا حكمتنا ما حكمته، فقال عمر: إسكتن أصاب وأخطأتم، وجز وعجزتم، و أبصر وعميتم فما ذنب عمر لا أبالكم؟ أتدرون ما مثلكم؟ قالوا لا ندري قال: لكن العقيلي يدرى، قال: ما تقول يا رجل؟ قال يا أمير المؤمنين مثلهم كما قال الأول:
دعيتم إلى أمر فلما عجزتم * تناوله من لا يداخله عجز فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم * نداما وهل يغني عن القدر الحرز