تمهيد الحديث؟
بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله، والناس يعيشون في ظلمة ظلماء، وجاهلية جهلاء، خابطين الفتنة، سائرين في الحيرة، قد استهوتهم الا هواء، واستنزلتهم الكبرياء، وأغوتهم الشياطين والمردة العتاة، درست فيهم منار الهدى، وظهرت أعلام الردى، لا بالمعروف عاملون، ولا عن المنكر مرتدعون، عكفا على الأصنام والأوثان، سجدا للشعرى والدبران، يعبدون ودا وهبل، ويسجدون للنار والشمس والقمر، يتقربون إلى الشجر والمدر، يسدنون يعوق ويغوث ونسرا، وينذرون للات والعزى، ويزدلفون إلى مناة الثالثة الأخرى، يزورون الغبغب وسعدا والأقيصر، وذا الكفين وذا الشعرى وذا الخلصة، يعتقدون الغيلان والأوهام، ويتعلمون الكهانة والسحر والشعبذات، سفاكين الدماء، أكالين السحت وأموال الأيتام، البنات فيهم موؤدات، والأرامل بينهم من الميراث محسوبات، كان جو العالم متلبدا بغيوم الاضطرابات وفتن الوحشية، متسربلا بغلالة الفجور وسنن الجاهلية، اطلعت أمارات البربرية والهمجية على شرقه، وشروق المدنية والانسانية غابت من غربه، وأحاطت قساطل الفتن والسبعية بجوانبه، الممالك كلها متمزقة الأحشاء بالحروب الداخلية والخارجية، متقطعة الأوصال من المنازعات الدينية، فهم في هذه الأحوال الحالكة، وعلى هذه السنن المهلكة، إذ قام صلى الله عليه وآله وأتعب نفسه، وبذل مجهوده في تربيتهم، وتزكية نفوسهم، وتحليتهم بالخلق الانسانية، والكرائم الأخلاقية، ورقيهم إلى درج السعادة، وتدرجهم في مراقي الحضارة بآياته المحكمة، وبراهينه الساطعة، وأعلامه الواضحة، وسننه القائمة، وفرائضه العادلة، وسيرته المعروفة، فلم يزل يعيش فيهم يتلو عليهم دروسا راقية، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، حتى دعي فأجاب وارتحل إلى الملكوت الأعلى، بعد ما أوصى إلى مدينة علمه وحكمه، وأخلف فيهم الثقلين: كتاب الله وعترته، فعمل خلفاؤه المعصومون والأئمة الهادون