بالطهارة - كالصلاة مثلا - إذ مع ثبوته لا بد من الاحتراز عن المشكوك للاشتغال بالعبادة المقتضية للقطع بالامتثال المستلزم للاجتناب.
قلت أولا: ان حجية أصل البراءة (1) قد تثبت بالأخبار، وقد قررنا في الأصول ورودها على قاعدة الاشتغال، فالشك في المانعية وإن اقتضى عقلا الاحتراز عن المشكوك، لكن أخبار البراءة يدفع هذا التكليف ويرخص في المباشرة ويرفع المانعية، مضافا إلى أن تمامية المطلوب يمكن في مثل هذا الفرض بعدم القول بالفصل، على إشكال قد أشرنا إليه مرارا. وفي المقام كلام طويل أعرضنا عنه مخافة التطويل.
السادس: الحصر العقلي، وهو أن يقال: إن الوجوه المتصورة في صورة الشك أمور ستة: إما الحكم بالطهارة، أو الحكم بالنجاسة، أو التخيير بين الأمرين، أو التوقف في البين، أو التنصيف بأن يحكم على النصف بالطهارة وعلى النصف الآخر بالنجاسة - كتعارض الامارتين في باب الدعوى - أو القرعة، والخمسة الأخيرة باطلة، فثبت الأول.
أما القرعة فليس موردها - كما حررناها - إلا الأمر المشكل، ومعناه: ما لا مناص عنه من شرع أو عقل، ومع وجود المناص هنا لا إشكال، مضافا إلى أن القرعة غير جارية في الأحكام إجماعا كما في بحثها، ولو عمل بها في الأحكام لما احتاج الناس في أمر دينهم إلى نبي ولا إلى وصي. والتنصيف ترجيح بلا مرجح. والتوقف في العمل لا معنى له، للزوم تعطيل الأمور، والمقصود التخلص عنه. والتخيير مخالف للإجماع، ومستلزم لكون الشئ الواحد نجسا وطاهرا بالنظر إلى أشخاص متعددة إذا اختار كل منهما خلاف الاخر، وهو بين الفساد.
وأما البناء على النجاسة فمخالف للأصول ومخالف للإجماع القطعي، إذ لم يقل أحد بأن المشكوك يحكم بنجاسته.