صور المدركات الحسية والمنتزعات الذهنية تحت عالم القلب الشاغلة عن حقيقتها وبروز المستكن فيها، فبعروض التسويل والتدليس فيها بين الجنودين يخفى على الإنسان ما هو الكامن في نقطة القلب.
فتارة يتخيل التقرب إلى الله بالخيال والحواس، وأخرى لشدة الخلط ينجر إلى الوسواس، وثالثة يتوهم الصدور من غير شعور، وإنما الناقد البصير والمجاهد الخبير يطلع على الوفاء والخلف بالاطراد والتخلف بمزاولة الأعمال ومراقبة الأحوال بحسب الخلوة والحضور والأزمنة والأمكنة. فإن أدرك عن نفسه الإخلاص فنعم المفر والمناص، ولا يضره عدم الشعور به عند الشروع فيه، لكمونه في القلب كالروح في الجسد، وهو المراد من التلبس بالنية الحاصل بارتفاع دواعي الجهل عن نظر الفؤاد والتفاته إلى الصدق والسداد.
وقد علم أن الداعي أمر واقعي، وليس مجرد الخيال والأخطار بالبال، بل الحق امتناع ذلك بعد الشروع في الأقوال والأفعال، لعدم صدورها إلا عن تصور وشعور وإدراك وحضور، كالعبد المشتغل على السؤال والجواب القائم مقام الخطاب بين يدي المولى بأنواع الخوف والرجاء، حيث لا يلتفت إلى الغاية المقصودة أصلا وإن كان بعد مراجعة القلب يعرف الداعي إليه والغرض منه، وذلك الأمر يحتجب بصور الأعمال والأقوال المخطرة بالبال التفاتا إلى لوح الخيال، وينكشف بعروض المنافيات وتبدل الأوقات. وهذا لو وجد دام حقيقة (1) - كالروح في البدن - ولو عند الذهول أو خطور غيره بعد الدخول ما لم ينشأ المنافي من الطرف المقابل، ولا يفرق حينئذ بين المخطر والذاهل، وهكذا الكلام في كل عمل مع غايته المقصودة في بدايته، وعليه طريقة العباد في أمر المعاش والمعاد. وليس مصب الأدلة في النية إلا هذه الطريقة، لصدق الامتثال بقصد الأفعال لداع معين وإن لم يخطر بالبال.