الجائز كون التعبد بذلك المأمور به لحسن فيه ذاتي موجب للتعبد به، وتعلق به الأمر أيضا لغاية التعبد، فانحصار الأوامر في التعبديات لا يدل على عدم الصفات الكامنة الداعية لصدور الأوامر في الأفعال، ولا يمنع كون التعبد بالعمل للحسن الذي كشف عنه الأمر، أو علم قبل صدوره أيضا، فلا تذهل.
ولا يعارض الآية خصوص الأوامر الدالة على الخصوصيات - كاغسل وامسح، ونحو ذلك - من جهة أنها أعم من كونها عبادة، فيلزم من ذلك تقديم مقتضى هذه الأوامر الخاصة في الأعمية عن العبادة على عموم الآية في إثبات الاختصاص، لما قررناه من أنه ليس خصوص الأوامر أعم من التعبد، بل بتقريب ما ذكرناه ظهر أنها أيضا تفيد التعبدية لغة وعرفا.
ولو سلم الأعمية فلا ريب في ورود عموم الآية عليها عرفا وتقييدها لذلك كله، إذ لا ريب أن المولى إذا أمر عبده بألف أمر مطلق بحسب الزمان - مثلا - قاض بالجواز في أي زمان كان، ثم بعد ذلك قال: (كل ما أمرتك به بهذه الأوامر إنما هو يوم الجمعة) فلا ريب في تقديم هذا العام على تلك الخصوصيات المقيدة للإطلاق، فتدبر.
وأورد على الآية الشريفة: بأن جعل اللام للغاية حتى يفيد انحصار الأمر في التعبد غير ممكن، لأن قوله تعالى: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة معطوف على كلمة (يعبدوا) فيلزم أن يكون معناه: (ما أمروا إلا للعبادة، ولإقامة الصلاة ولإيتاء الزكاة) وهما داخلان في العبادة، فلا وجه للعطف، مع أنه يلزم كون الأوامر محصورة لإقامة الصلاة والزكاة، وجعلهما غاية لكافة الأوامر غير معقول، فلا بد من صرفه عن ظاهره وجعل (اللام) بمعنى (الباء) وإرادة أنهم ما أمروا إلا بأن يعبدوا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فتخرج الآية عن الدلالة.
وهو مدفوع بأن [ذكر بعض أفراد المعطوف عليه وبعبارة أخرى] (1) عطف