وفي المسالك ما معناه: أن مع عدم تجاوز الحاجة وعدم علم التعدي وظنه (1) لا ضمان اتفاقا، لعموم التسلط على ماله، ولأنه لم يفرط، وسببية الإتلاف ضعيفة بالأذن الشرعي. ومع التجاوز وعلم التعدي أو ظنه فلا شبهة في الضمان للتفريط والسببية. وإن انتفى أحد الأمرين دون الاخر، ففيه قول للمحقق والعلامة في القواعد والإرشاد بعدم الضمان، لأنه مأذون شرعا، ولا يعد مع عدم التجاوز أو مع عدم العلم أو الظن تفريطا، ولأصالة البراءة. وقول للعلامة في التحرير والشهيد في الدروس: بالضمان، للسببية.
ثم قال: ويرجح هذا القول في بعض أفراده، وهو ما لو علم التعدي فتركه اختيارا وإن كان فعله بقدر حاجته، لأن ترك قطعه مع علم التعدي إلى الغير وقدرته على قطعه تعد محض. نعم، مع عدم العلم ولا الظن قد يشكل الضمان على تقدير تجاوز الحاجة، لأن فعله مأذون فيه على التقديرين ولا تفريط حينئذ (2).
إذا عرفت هذا، فنقول: تصرف المالك في ملكه إما أن يكون لحاجة أو بدونها، والحاجة أيضا قسمان: إما جلب نفع أو دفع ضرر.
وعلى التقادير: إما أن يكون الضرر الواقع على الجار من هذا الفعل ضررا عينيا كما إذا حفر بئرا يوجب سقوط جدار الجار ونحو ذلك، أو ضررا حكميا كما إذا على جداره وبنى فوقه غرفة تمنع عن إشراق الشمس والقمر على دار الجار، ويصير سببا لاحتباس الهواء فيها، وذلك مما يوجب نقصا في قيمتها ومنافعها.
وعلى التقادير: إما أن يكون هذا الضرر يستند إلى نفس فعل المتصرف في ملكه - كما إذا حفر بئرا أو بالوعة بحيث يكون مجرد الحفر موجبا للضرر وسقوط جدار الجار، أو أرسل ماء، أو أجج نارا بحيث يكون هذا الضرر ناشئا من نفس هذا الفعل - وإما أن يكون ناشئا من شئ آخر ترتب على ذلك، فإنه متى ما جعل داره حماما أو بالوعة فبمرور الأيام واجتماع المياه والأمطار يوجب الضرر على