وأما مقدار الحاجة: فإن كانت الحاجة دفع ضرر، فلا كلام في الجواز، لا لأنه ليس إضرارا، بل لأن منشأ التحريم تقديم قاعدة الضرر على عمومات التسلط، وكما أن الأضرار بالغير حرام فكذا الأضرار على نفسه، فإذا دار الأمر بين إضرار نفسه وغيره - اللازم أحدهما على تقدير الفعل والترك - يبقى عموم جواز التصرف سليما عن المعارض.
وأما لو كانت الحاجة جلب نفع ففيه وجهان:
من أن عدم النفع يعد ضررا في الجملة، وتعارض أدلة التسلط مع الضرر، فيبقى عموم دليل الانتفاع سالما عن المعارض.
ومن أن كونه ضررا ممنوع فلا يعارض ضرر الغير، وعموم الانتفاع ليس إلا أدلة التسلط، ونفي الضرر مقدم عليها - كما مر - والأقوى فيه أيضا المنع.
هذا هو (1) الكلام وبالنظر إلى الحكم التكليفي.
والمقام الثاني: في حيثية الضمان، وهو الحكم الوضعي.
لا ريب أن أسباب الضمان المستفادة من أدلة الضرر المطلقة - على ما قررناه - أو من خصوص الخبرين الناصين على أن (من أضر بشئ من طريق المسلمين فهو ضامن) (2) أو من عموم (من أتلف شيئا ضمنه) - ونحو ذلك - غير مقيد بالعلم وبالجهل وبالظن وعدمه، فلا مدخل لاعتبار العلم ونحو ذلك فيه، بل إنما الميزان حصول السبب بحيث يشمله الدليل ويصدق الأضرار والإتلاف، والعلم والجهل إنما يعتبران للإثم وعدمه، وهذا شئ غير خفي.
ولا يخفى على من مارس الفقه أيضا أن إذن الشارع وعدمه غير ملازم للضمان وعدمه، فقد يتحقق الضمان ولو كان مأذونا من الشارع غير آثم، وقد لا يضمن مع كونه آثما غير مأذون، والمدار على حصول ما جعل سببا للضمان.
إذا عرفت هذا فنقول: متى ما صدق الإتلاف والأضرار بحفر بئر أو بالوعة أو