إرسال ماء أو تأجيج نار أو نظائر ذلك بحيث صار مستندا إلى فعل المكلف وقيل: (إنه أضره وأتلفه) فهو ضامن بمقتضى الأدلة، وهذا لا يتحقق إلا في الأضرار بالفعل، لا فيما يتحقق بعد مدة بواسطة غلبة الماء في البالوعة أو البئر، أ و تعدي عروق الشجر أو نمائه واستعلائه ونحو ذلك، كما مثلناه.
وبعبارة أخرى: لا يصدق الأضرار والإتلاف إلا مع صدور ذلك عن فعله بلا واسطة: كضرب مضر على الجدار في (1) حفر البئر القريب منه، أو مع واسطة غير سالبة لاسم الإتلاف، كإرسال الماء وتأجيج النار بحيث يعد عادة إتلافا لمال الجار وداره.
وبتقرير آخر: المناط في ذلك: كون الشئ الصادر من المكلف من الأمور المعدة للإتلاف والأضرار لو خلي وطبعه عرفا وعادة، لا مثل جعل البيت حماما أو دكان حداد، أو حفر البئر أو البالوعة، أو غرس الأشجار، أو تأجيج النار وإرسال الماء الذي لا يعد في نظر العرف من ذلك، فإن ذلك كله ليس من الأسباب المعدة للإتلاف وإن علم قطعا أنه بعد تحققه ينشأ من ذلك ضرر.
ولهذا عبر الفاضلان والشهيد (2) بقولهم: (وإن تضرر صاحبه) أو (وإن استضر الجار) (3) ولم يعبروا بقولهم: (وإن أضر جاره) فتدبر (4).
بل وأوضح من ذلك: لو أوقد في بيته أو في سطحه نارا لا يعد ذلك إضرارا عرفا ولم يكن قاصدا بذلك إتلاف مال الجار، لكنه علم أن هذه النار لو بقيت كذلك لطيرها (5) الهواء إلى متاع الجار فلم يطفه حتى أخذها الهواء كم يكن ضامنا