وضعفه في آخر فهذان فردان من الخمر، لكنهما متضمنان لأفراد متداخلة، بمعنى:
أن كلا منهما لو وزع على أجزاء صغار توزيعا غير سالب للاسم لكان كل منها خمرا يصدق عليه اللفظ ويلحقه الحرمة، فإذا دار الأمر بين ارتكاب الأقل والأكثر واضطر المكلف إلى أحدهما لا بعينه فلا نشك في لزوم تعيين الأقل، وليس هذا من إجماع قائم عليه بالخصوص ولا نص دال على الفرض كذلك، بل إنما هو من نفس دليل التحريم المستلزم لارتكاب الأقل، وليس لأحد أن يقول: كلاهما خمران والتحريم مشترك.
وهذا الذي ذكرناه وإن كان يتخيل له (1) مناقشات، لكنها بعد النظر الدقيق والفحص الحقيق مندفعة.
ففيما نحن فيه نقول: متى ما جاز ارتكاب الضرر لعذر - مثلا - ودار الأمر بين الأقل والأكثر، فما الذي أباح لك المقدار الذي هو التفاوت إذ لا داعي إلى ذلك ولا ضرورة؟ ولعله توهم أن إتلاف فرس وحمار كل منهما محرمان منفيان، وهما شيئان متمايزان، وكون أحدهما زائدا في المقدار لا يوجب أولوية دخوله في النفي، بل كل منهما منفي، ومتى ما جاز فأحدهما لا بعينه جائز، والترجيح بكون الفرس زائدا لا دخل له.
وتنقيح دفعه (2): أن الكلام ليس في الأموال وما في حكمها بعناوينها وبأساميها حتى يتساوى الصدق على الكل.
وفرق بين قول القائل: (لا تتلف لزيد حيوانا ولا بساطا) وبين قوله: (لا تضرره) (3) إذ على الأول لو اضطررنا إلى واحد من الفرس والحمار أو إلى إحراق بساط كبير أو صغير لا نفرق بين المقامين بمحض هذا النهي، نظرا إلى تساويهما في المنع ولو لم يكن دليل