الثالثة: أن مسألة التداخل كثيرة الدوران منتشرة الفروع، لا بد من الإشارة إلى مواردها وضبط أقسامها وتنقيح محل النزاع منها، فنقول:
من مواردها: أسباب نزح البئر، وغسل الحدث والخبث، وأسباب الوضوء والغسل، وتعلق نذر ونحوه بأحد الواجبات - كنذر الحج - وتسبيحات الجبر للقصر والتعقيب، وأسباب الكفارات في الصوم والحج والاعتكاف والنذر والظهار ونظائرهما، ورواتب النوافل مع المطلقات، ومطلقات السنة مع خصوصيات شهر رمضان ونظير ذلك، وجناية الأطراف والنفوس، وجلدات الحدود، وضمان الاتلافات، والمستحبات المطلقة في كل يوم أو شهر أو سنة مع ما قيد منها بيوم خاص ونحوه، وأسباب سجود السهو وركعات الاحتياط، وأسباب صلاة الآيات، وسلام التحية والصلاة، ومسألة أرش البكارة في الأمة والمهر، وغسل اليد من البول والغائط والريح للوضوء.
فنقول: لا كلام في عدم التداخل في صورة طريان السبب الاخر بعد حصول مسبب الأول، كمن وطئ حائضا فكفر ووطئ أخرى، أو توضأ من بول ثم نام، فإنه يجب الكفارة والوضوء بلا كلام، ونحو ذلك لو اغتسلت عن حيض فأجنبت.
والوجه في ذلك: أن مبنى القائلين بالتداخل - كما يأتي - حصول الامتثال بالواحد من الخطابين، وهو فرع تأخره عنهما، ولا يعقل تقدم مسبب على سبب، فيبقى الأمر الثاني من دون امتثال.
ويظهر من كلام الفاضل المعاصر النراقي في عوائده وجود الخلاف أيضا في هذا الفرض، قال: (ويظهر من كلام بعضهم في مسألة الوطئ في الحيض عدم التكرر مع المسبوقية أيضا، وهو فاسد جدا) (1) هي (2). والظاهر أن ذلك ليس من جهة التداخل، بل من جهة عدم دلالة دليل على الثانية.