هنا أيضا، إنما البحث في أن الواحد فيما فيه النية واحد مسقط حتى ينوى الواحد، أو ثلاثة حكما وتداخل الأفعال والغسلات لا يوجب تداخل النيات، وقد ذكرنا أن الظاهر الإسقاط.
نعم، هنا كلام وهو: أن المتيقن من كفاية غسل واحد أو صلاة واحدة فيما يعتبر في آحادها النية كفاية العمل الواحد عن الأعمال الاخر، وأما كفاية نيته عن النيات الأخر فلا.
وتوضيحه: أن على تقدير عدم التداخل كان المكلف مأمورا بإتيان ثلاثة أغسال بثلاث نيات، ودليل التداخل غاية ما اقتضى أن غسل البدن ثلاث مرات لا يجب، بل يكفي مرة واحدة. وأما أن نية الجمعة تسقط نية التوبة فمن أين يعلم ذلك؟ فمقتضى الإسقاط أيضا اعتبار النيات، لأن الفعل الواحد مسقط عن الباقي دون النية، فيكون مثل تداخل الأغسال مثل الرأسين في بدن واحد، فإن روح كل منهما حل في البدن الواحد.
فهذه النيات اللازمة كان حقها تواردها على أفعال متعددة هي كالقوالب للروح، فاجتزأ الشارع بقالب واحد لهذه الأرواح. فالاسقاط أيضا في الأفعال لا في النيات، فما كان يجب فيه النية لو انفرد يجب نيات الكل مع الاجتماع، إلا إذ ا دل دليل آخر على إسقاط النية أيضا.
لكن يمكن دفعه: بأن الغسل الواحد ليس اسما لغسل البدن، بل له مع نيته (1)، لأن الغسل عبادة، فإذا قال الشارع: (يجزئ غسل عن أغسال) يكون معناه: غسل البدن بنية يجزئ عن غسلات بنيات، وهو الإسقاط للكل، فتدبر، فإنه محل نظر.
فقد علم من ذلك أن المراد: صورة التداخل بمعنى ترتب الآثار، لا حقيقة التداخل، وأن عدم التداخل بقاء كل سبب على مقتضاه وعدم كون واحد مسقطا لغيره.