فإن قلت: تفسير أهل اللغة بالأعم كثير غالب، فيكون التفسير قرينة على إرادة الأخص منه.
قلت: التفسير بالأخص أيضا كثير، فيكون ذكر الأعم في القول الآخر قرينة على إرادة الأعم، فترجيح أحدهما على الاخر ترجيح بلا مرجح.
وأما ثانيا: فلأن مبنى التقييد فهم العرف، وذلك إنما هو في كلام الشخص الواحد، أو ما هو في حكم الواحد ككلام الله ورسوله وامنائه، لاطلاع كل منهم بما اطلع عليه الاخر وبينه بأي نحو كان، والفرض أن الحكم في الواقع واحد والمراد متحد. وأما تقييد كلام المصنفين بعضهم ببعض فهذا من الأوهام العجيبة!
بل إنا نمنع من تقييد كلام المصنف الواحد في مقامين بعضه ببعض، بل نجعله عدولا عن المعنى الأول.
وأما ثالثا: فلأن مبنى التقييد العلم باتحاد التكليف، ومع إمكان كونهما تكليفين فلا وجه للتقييد.
فنقول هنا: إن احتمال الوضع للمطلق والمقيد قائم، بل ظاهر كلام الناقلين (1) ذلك، فحمل إطلاق أحدهما على الاخر خال عن وجه، مع ما في هذا الكلام من الضعف من وجوه أخر أيضا. فإذا لم يجز التقييد فيكونان معنيين متكافئين كصورة التباين، فإن كان أحدهما نفى الاخر فهو تعارض، وإلا فمقتضى ما قررناه الأخذ بهما معا، لأنهما ناقلان عن الوضع، ولا معارض بشئ منهما.
وإن كان بالعموم من وجه: فقد يقال بالأخذ بمادة الاجتماع، ومرجعه تقييد كل من الكلامين بالآخر، فيلزم من ذلك - مثلا - اعتبار الطرب والترجيع كليهما في معنى الغناء في المثال المتقدم. والوجه فيه أيضا نظير ما مر في الإطلاق والتقييد من جهة واحدة: من أصالة عدم الاشتراك، وكون المقيد المتيقن، وشيوع التفسير بالأعم في كلامهم.