وتوضيحه: أن مسألة التداخل وعدمه إنما هو بعد دلالة دليل على لزوم الفعل، ثم بعد ذلك نقول: هل هما يحصلان بواحد، أم يحتاج إلى متعدد في الامتثال؟
مثلا: إذا قال الشارع: (من بال فليتوضأ) فهنا مسألتان.
إحداهما: أنه متى ما تكرر البول أيضا يجب الوضوء، أو أنه في مرة واحدة يجب، وفي الثانية لا يدل على وجوبه.
وثانيتهما: أنه على فرض دلالته على الوجوب هل يتأدى الوجوبان بوضوء واحد أو لا بد من وضوءين؟
ومسألة التداخل هي الثانية، والأولى مسألة تكرر المشروط بتكرر الشرط.
فمن قال بأن من وطئ الحائض وكفر ثم وطئ لا تجب الكفارة، لا لأن الكفارة السابقة مجزئة عن هذا الوطئ أيضا كما لو كانت لاحقة لهما، بل لأن دليل الكفارة إنما يقتضي وجوب الكفارة لأول فرد من الطبيعة المجعولة سببا. وأما الفرد الثاني فلا وجوب فيه، سواء قدم أو اخر، ومقتضاه: أن الكفارة إذا وقعت بعد المرتين فهي للأولى، والثانية لا كفارة فيها (1) أصلا، لا أن قول الشارع منزل منزلة خطابين: إذا وطئت أولا فكفر، وإذا وطئت ثانيا فكفر، ويحصلان (2) بالكفارة المتوسطة بينهما، فإنه كلام لا يتفوه به متفوه من أصحابنا المؤيدين المسددين!
والفرق بين المقامين في غاية الوضوح.
والحاصل: أن باب التداخل فرع فهم تعدد الخطاب والامتثال لهما بواحد.
وأما لو كان هنا خطاب مجمل لا يعلم منه اللزوم في تحقق السبب مرة ثانية كقوله: (من استطاع فليحج) وقامت القرينة على أن هذا الظاهر (3) غير مراد وشك في أن الاستطاعة الثانية أيضا توجب حجا أم لا؟ فنقول: متى ما حج الرجل بين