الغانمين. وأما قول عمر: كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها، كذا قال الطحاوي وأشار بذلك إلى ما في حديث بشير بن يسار المذكور في الباب: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزل نصف خيبر لنوائبه وما ينزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا، وبالذي قسمه ما افتتح عنوة.
وقد اختلف في الأرض التي أبقاها عمر بغير قسمة، فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها. وقال بعض الكوفيين: أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج. قال في الفتح: وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث لهذه المقالة انتهى. وقد ذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا تقسم بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير، إلا أن يرى الامام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض. وحكى هذا القول ابن القيم عن جمهور الصحابة ورجحه وقال: إنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين.
قال: ونازع في ذلك بلال وأصحابه وطلبوا أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها، فقال عمر: هذا غير المال ولكن أحسبه فيئا يجري عليكم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه:
اقسمها بيننا، فقال عمر: اللهم اكفني بلالا وذويه، فما حال الحول ومنهم عين تطرف ، ثم وافق سائر الصحابة عمر، قال: ولا يصح أن يقال إنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم قد نازعوه فيها وهو يأبى عليهم، ثم قال: ووافق عمر جمهور الأئمة وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة، فظاهر مذهب أحمد وأكثر نصوصه على أن الامام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة، فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها، وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها، وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل الأقسام الثلاثة، فإنه قسم أرض قريظة والنضير وترك قسمة مكة، وقسم بعض خيبر وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين. وفي رواية لأحمد: أن الأرض تصير وقفا بنفس الظهور والاستيلاء من غير وقف من الامام وله رواية ثالثة: إن الامام يقسمها بين الغانمين كما يقسم بينهم المنقول إلى أن يتركوا حقهم منها قال: وهو مذهب الشافعي بناء من الشافعي على أن آية الأنفال وآية الحشر متواردتان، وأن الجميع يسمى فيئا وغنيمة، ولكنه يرد