(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): ما يزال الرجل) والمرأة (يسأل الناس) أموالهم (حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة) بضم الميم وسكون الزاي فعين مهملة (لحم متفق عليه). الحديث دليل على قبح كثرة السؤال، وأن كل مسألة تذهب من وجهه قطعة لحم حتى لا يبقى فيه شئ لقوله ما يزال. ولفظ الناس عام مخصوص بالسلطان كما يأتي. والحديث مطلق في قبح السؤال مطلقا وقيده البخاري بمن يسأل تكثرا كما يأتي يعني من سأل وهو غني فإنه ترجم له:
بباب من سأل الناس تكثرا، لا من سأل لحاجة فإنه يباح له ذلك ويأتي قريبا بيان الغني الذي يمنع من السؤال. قال الخطابي: معنى قوله وليس في وجهه لحم: يحتمل أن يكون المراد به يأتي ساقطا لا قدر له ولا جاه، أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه عقوبة له في موضع الجناية لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم ليكون ذلك شعاره الذي يعرف به. ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعا لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه وفيه أقوال أخر.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو يستكثر رواه مسلم) قال ابن العربي: إن قوله: فإنما يسأل جمرا معناه أنه يعاقب بالنار، ويحتمل أن يكون حقيقة أي أنه يصير ما يأخذه جمرا يكوى به كما في مانع الزكاة. وقوله فليستقل أمر للتهكم ومثله ما عطف عليه، أو للتهديد من باب (اعملوا ما شئتم) وهو مشعر بتحريم السؤال للاستكثار.
(وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي (ص) قال:
لان يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكف بها) أن بقيمتها (وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه رواه البخاري). الحديث دل على ما دل عليه قبله من قبح السؤال مع الحاجة وزاد بالحث على الاكتساب ولو أدخل على نفسه المشقة، وذلك لما يدخل السائل على نفسه من ذل السؤال وذلة الرد إن لم يعطه المسؤول، ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله أن أعطى كل من يسأل. وللشافعية وجهان في سؤال من له قدرة على التكسب أصحهما أنه حرام لظاهر الأحاديث ، والثاني أنه مكروه بثلاثة شروط أنه لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد أحدها فهو حرام بالاتفاق.
(وعن سمرة بن جندب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص):
المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر