صحته، وإلا فالظاهر هو التحريم. ثم رأيت بعد هذا نقلا عن ابن عقيل الحنبلي أنها تحرم الخطبة أيضا، قال ابن تيمية: لان النبي (ص) نهى عن الجميع نهيا واحدا ولم يفصل وموجب النهي التحريم وليس ما يعارض ذلك من أثر أو نظر.
(وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في قصة صيده الحمار الوحشي وهو غير محرم) وكان ذلك عام الحديبية (قال: فقال رسول الله (ص) لأصحابه وكانوا محرمين: هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشئ؟ فقالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمه متفق عليه) قد استشكل عدم إحرام أبي قتادة وقد جاوز الميقات وأجيب عنه بأجوبة. منها: أنه كان قد بعثه (ص) هو وأصحابه لكشف عدو لهم بالساحل.
ومنها أنه لم يخرج مع النبي (ص) بل بعثه أهل المدينة. ومنها أنها لم تكن المواقيت قد وقتت في ذلك الوقت. والحديث دليل على جواز أكل المحرم لصيد البر، والمراد به إن صاده غير محرم ولم يكن منه إعانة على قتله بشئ وهو رأي الجماهير والحديث نص فيه.
وقيل: لا يحل أكله، وإن لم يكن منه إعانة عليه. ويروى هذا عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وهو مذهب الهادوية عملا بظاهر قوله تعالى: * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * بناء على أنه أريد بالصيد المصيد. وأجيب عنه: بأن المراد في الآية: الاصطياد، ولفظ الصيد وإن كان مترددا بين المعنيين، لكن بين حديث أبي قتادة المراد. وزاده بيانا حديث جابر بن عبد الله عنه (ص) أنه قال: صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم أخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم إلا أن في بعض رواته مقالا بينه المصنف في التلخيص. وعلى تقدير أن المراد في الآية الحيوان الذي يصاد فقد ثبت تحريم الاصطياد من آيات أخر ومن أحاديث. ووقع البيان بحديث جابر فإنه نص في المراد. والحديث فيه زيادة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: هل معكم من لحكمه شئ وفي رواية: هل معكم منه شئ قالوا: معنا رجله، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلها إلا أنه لم يخرج الشيخان هذه الزيادة واستدل المانع لاكل المحرم الصيد مطلقا بقوله:
(وعن الصعب) بفتح الصاد المهملة وسكون العين المهملة فموحدة (ابن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة (الليثي رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله (ص) حمارا وحشيا) وفي رواية: حمار وحش يقطر دما، وفي أخرى: لحم حمار وحش، وفي أخرى: عجز حمار وحش ، وفي رواية: عضدا من لحم صيد، كلها في مسلم (وهو بالأبواء) ممدود (أو بودان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة وكان ذلك في حجة الوداع (فرده عليه وقال: إنا لم نرده) بفتح الدال رواه المحدثون وأنكره المحققون من أهل العربية، وقالوا: صوابه ضمها لأنه القاعدة في تحريك الساكن إذا كان بعده ضمير المذكر الغائب على الأصح، وقال النووي في شرح مسلم:
في رده ونحوه للمذكر ثلاثة أوجه أوضحها الضم والثاني الكسر وهو ضعيف والثالث الفتح وهو أضعف منه، بخلاف ما إذا اتصل به ضمير المؤنث، نحو ردها فإنه بالفتح (عليك إلا أنا حرم) بضم الحاء والراء أي محرمون (متفق عليه). دل على أنه لا يحل لحم الصيد