الترتيب كما عرفت ولم يقصده ابن عباس إنما قصد وصف ما وقع من غير نظر إلى ترتيب . وقوله: ونحر هديه هو إخبار بأنه كان معه (ص) هدي نحره هنالك ولا يدل كلامه على إيجابه. وقد اختلف العلماء في وجوب الهدي على المحصر، فذهب الأكثر إلى وجوبه. وخالف مالك فقال: لا يجب والحق معه فإنه لم يكن مع كل المحصرين هدي وهذا الهدي الذي كان معه (ص) ساقه من المدينة متنفلا به، وهو الذي أراده الله تعالى بقوله: * (والهدى معكوفا أن يبلغ محله) * والآية لا تدل على الايجاب أعني قوله تعالى : * (فإن حصرتم فما استيسر من الهدي) * وحققناه في منحة الغفار حاشية ضوء النهار. وقوله : حتى اعتمر عاما قابلا قيل: إنه يدل على إيجاب القضاء على من أحصر والمراد من أحصر عن النفل وأما من أحصر عن واجب من حج أو عمرة فلا كلام أنه يجب عليه الاتيان بالواجب إن منع من أدائه. والحق أنه لا دلالة في كلام ابن عباس على إيجاب القضاء فإن ظاهر ما فيه أنه أخبر أنه (ص) اعتمر عاما قابلا ولا كلام أنه (ص) اعتمر في عام القضاء، ولكنه عمرة أخرى ليس قضاء عن عمرة الحديبية. أخرج مالك بلاغا: أن رسول الله (ص) حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شئ قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي. ثم لم نعلم أن رسول الله (ص) أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشئ. وقال الشافعي: فحيث أحصر ذبح وحل ولا قضاء عليه من قبل أن الله تعالى لم يذكر قضاء، ثم قال: لأنا علمنا من تواطئ أحاديثهم أنه كان معه في عام الحديبية رجال معروفون ثم اعتمر عمرة القضاء فتخلف بعضهم في المدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال ، ولو لزمهم القضاء لأمرهم بأن لا يتخلوا عنه. وقال: إنما سميت عمرة القضاء والقضية المقاضاة التي وقعت بين النبي (ص) وبين قريش لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة. وقول ابن عباس ونحر هديه اختلف العلماء هل نحره يوم الحديبية في الحل أو في الحرم، وظاهر قوله تعالى: * (ذا الهدي معكوفا أن يبلغ محله) * أنهم نحروه في الحل ، وفي محل نحر الهدي للمحصر أقوال: الأول: للجمهور أنه يذبح هديه حيث يحل في حل أو حرم.
الثاني: للهادوية والحنفية أنه لا ينحره إلا في الحرم. الثالث: لابن عباس وجماعة أنه إن كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه ولا يحل حتى ينحر في محله وإن كان لا يستطيع البعث به إلى الحرم نحره في محل إحصاره، وقيل إنه نحره في طرف الحديبية وهو من الحرم، والأول أظهر.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل النبي (ص) ضباعة) بضم المعجمة ثم موحدة مخففة (بنت الزبير بن عبد المطلب) بن هاشم بن عبد مناف ، بنت عم رسول الله (ص) تزوجها المقداد ابن عمرو فولدت له عبد الله وكريمة ، روى عنها ابن عباس وعائشة وغيرهما قاله ابن الأثير في الجامع الكبير. (فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال (ص): حجي واشتراطي أن محلي حيث حبستني متفق عليه). فيه دليل على أن المحرم إذا اشترط في إحرامه ثم