(فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها). دل الامر في قوله اغسلنها ثلاثا على أنه يجب ذلك العدد. والظاهر الاجماع على إجزاء الواحدة فالامر بذلك محمول على الندب وأما أصل الغسل فقد علم وجوبه من محل آخر، وقيل: تجب الثلاثة. وقوله: أو خمسا أو للتخيير لا للترتيب هو الظاهر. وقوله: أو أكثر قد فسر في رواية أو سبعا بدل قوله أو أكثر من ذلك، وبه قال أحمد وكره الزيادة على سبع، قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع، إلا أنه وقع عند أبي داود أو سبعا أو أكثر من ذلك، ظاهرها شرعية الزيادة على السبع. وتقدم الكلام في كيفية غسلة السدر. قالوا: والحكمة فيه أنه يلين جسد الميت. وأما غسله الكافور فظاهره أنه يجعل الكافور في الماء ولا يضر الماء تغييره به، والحكمة فيه أنه يطيب رائحة الموضع لأجل من حضر من الملائكة وغيرهم، مع أنه فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ، وخاصية في تصليب جسد الميت وصرف الهوام عنه، ومنع ما يتحلل من الفضلات، ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الروائح الطيبة في ذلك. وهذا هو السر في جعله في الآخرة إذ لو كان في الأولى مثلا لأذهبه الماء. وفيه دلالة على البداءة في الغسل بالميامن، والمراد بها ما يلي الجانب الأيمن. وقوله: ومواضع الوضوء منها ليس بين الامرين تناف لامكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا، وقيل المراد: ابدأن بميامنها في الغسلات التي لا وضوء فيها ومواضع الوضوء منها في الغسلة المتصلة بالوضوء. والحكمة في الامر بالوضوء تجديد سمة المؤمن في ظهور أثر الغرة والتحجيل، وظاهر موضع الوضوء دخول المضمضة والاستنشاق . وقولها ضفرنا شعرها استدل به على ضفر شعر الميت، وقال الحنفية: يرش شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا. قال القرطبي: كأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية لم يكن عن أمره صلى الله عليه وسلم. ولكنه قال المصنف: إنه قد روى سعيد بن منصور ذلك بلفظ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر وفي صحيح ابن حبان اغسلنها ثلاثة أو خمسا أو سبعا واجعلن لها ثلاثة قرون. والقرن هنا المراد به الضفائر، وفي بعض ألفاظ البخاري ناصيتها وقرنيها ففي لفظ ثلاثة قرون تغليب ، والكل حجة على الحنفية، والضفر يكون بعد نقض شعر الرأس وغسله وهو في البخاري صريحا. وفيه دلالة على إلقاء الشعر خلفها، وذهل ابن دقيق العيد عن كون هذه الألفاظ في البخاري فنسب القول به إلى بعض الشافعية وأنه استند في ذلك إلى حديث غريب.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كفن رسول الله (ص) في ثلاثة أثواب بيض سحولية) بضم السين المهملة والحاء المهملة (من كرسف) بضم الكاف وسكون الراء وضم السين المهملة ففاء أي قطن (ليس فيها) أي الثلاثة (قميص ولا عمامة) بل إزار ورداء ولفافة كما صرح به في طبقات ابن سعد عن الشعبي (متفق عليه). فيه أن الأفضل التكفين في ثلاثة أثواب بيض، لان الله تعالى لم يكن يختار لنبيه (ص) إلا الأفضل ، وقد روى أهل السنن من حديث ابن عباس البسوا ثياب البياض فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم وصححه الترمذي والحاكم، وله شاهد من حديث سمرة أخرجوه وإسناده صحيح أيضا أنه (ص) سجي ببرد حبرة وهي برد يماني