أم لا؟ قال البيهقي: عنى بذلك هذا الحديث وهو معتضد بحديث أبي البحتري عن علي عليه السلام أن النبي (ص) قال: إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين ورجاله ثقات إلا أنه منقطع. وقد ورد هذا من طرق بألفاظ مجموعها يدل أنه (ص) تقدم من العباس زكاة عامين، واختلف الروايات هل هو استلف ذلك أو تقدمه ولعلهما واقعان معا. وهو دليل على جواز تعجيل الزكاة. وإليه ذهب الأكثر كما قاله الترمذي وغيره ، ولكنه مخصوص جوازه بالمالك، ولا يصح من المتصرف بالوصاية والولاية، واستدل من منع التعجيل مطلقا بحديث: إنه لا زكاة حتى يحول الحول كما دلت له الأحاديث التي تقدمت . والجواب أنه لا وجوب حتى يحول عليه الحول، وهذا لا ينفي جواز التعجيل. وبأنه كالصلاة قبل الوقت، وأجيب بأنه لا قياس مع النص.
(وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله (ص) قال: ليس فيما دون خمس أواق) ووقع في مسلم أواقي بالياء وفي غيره بحذفها وكلاهما صحيح فإنه جمع أوقية ويجوز في جمعهما الوجهان كما صرح به أهل اللغة (من الورق) بفتح الواو وكسرها وكسر الراء وإسكانها الفضة مطلقا (صدقة، وليس فيما دون خمس ذود) فتح الذال المعجمة وسكون الواو المهملة هي ما بين الثلاث إلى العشر (من الإبل) لا واحد له من لفظه (صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من الثمر) بالمثلثة مفتوحة والميم (صدقة رواه مسلم). الحديث صرح بمفاهيم الاعداد التي سلفت في بيان الأنصباء، إذ قد عرفت أنه تقدم أن نصاب الإبل خمس، ونصاب الفضة مائتا درهم - وهي خمس أواق -، وأما نصب الطعام فلم يتقدم وإنما عرف هذا بنفي الواجب فيما دون خمسة أوسق أنه يجب في الخمسة بمفهوم النفي.
(وله) أي لمسلم وهو: (من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر) بالمثناة الفوقية (ولا حب صدقة وأصل حديث أبي سعيد متفق عليه) الحديث تصريح أيضا بما سلف من مفاهيم الأحاديث إلا التمر فلم يتقدم فيه شئ. والأوساق جمع وسق بفتح الواو وكسرها، والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد فالخمسة الأوساق ثلاثمائة صاع، والمد: رطل وثلث، قال الداودي: معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، قال صاحب القاموس بعد حكايته لهذا القول: وجربت ذلك فوجدته صحيحا. انتهى. والحديث دليل على أنه لا زكاة فيما لم يبلغ هذه المقادير من الورق والإبل والثمر والتمر لطفا من الله بعباده وتخفيفا وهو اتفاق في الأولين وأما الثالث ففيه خلاف بسبب ما عارضه من الحديث بعده وهو قوله:
(وعن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أبيه رضي الله عنهما) عبد الله ابن عمر (عن النبي (ص) قال: فيما سقت السماء) بمطر أو ثلج أو برد أو طل (والعيون) الأنهار الجارية التي يسقى منها بإساحة الماء من غير اغتراف له (أو كان عثريا) بفتح المهملة