(وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي (ص) قال: إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت كل صلاة الليل) أي النوافل المشروعة فيه، (والوتر) عطف خاص على عام فإنه من صلاة الليل عطفه عليه لبيان شرفه، (فأوتروا قبل طلوع الفجر). فتخصيص الامر بالايتار لزيادة العناية بشأنه وبيان أنه أهم صلاة الليل فإنه يذهب وقته بذهاب الليل وتقدم في حديث أبي سعيد أن النائم والناسي يأتيان بالوتر عند اليقظة إذا أصبح والناسي عند التذكر فهو مخصص لهذا، فبين أن المراد بذهاب وقت الوتر بذهاب الليل على من ترك الوتر لغير العذرين. وفي ترك ذلك للنوم ما رواه الترمذي عن عائشة: كان رسول الله (ص) إذا لم يصل من الليل منعه من ذلك النوم أو غلبته عيناه صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة. وقال: حسن صحيح، وكأنه تداركه لما فات، (رواه الترمذي)، قلت: وقال عقيبه: سليمان بن موسى قد تفرد به على هذا اللفظ.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله (ص) يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله. رواه مسلم) هذا يدل على شرعية صلاة الضحى، وأن أقلها أربع، وقيل: ركعتان، وهذا في الصحيحين من رواية أبي هريرة وركعتي الضحى وقال ابن دقيق العيد: لعله ذكر الأقل الذي يوجد التأكيد بفعله. قال: وفي هذا دليل على استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي (ص) على فعلها لا ينافي استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول وليس من شرط الحكم أن تتظافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي (ص) على فعل مرجح على ما لم يواظب عليه انتهى.
وأما حكمها فقد جمع ابن القيم الأقوال فبلغت ستة أقوال. الأول: أنها سنة مستحبة. الثاني: لا تشرع إلا لسبب. الثالث: لا تستحب أصلا. الرابع: يستحب فعلها تارة وتركها تارة فلا يواظب عليها.
الخامس: يستحب المواظبة عليها في البيوت. السادس: أنها بدعة. وقد ذكر هنالك مستند كل قول. هذا وأرجح الأقوال أنها سنة مستحبة كما قرره ابن دقيق العيد، نعم وقد عارض حديث عائشة هذا حديثها الذي أفاده قوله:
(وله) أي لمسلم (عنها) أي عن عائشة (أنها سئلت هل كان النبي (ص) يصلي الضحى؟ قالت: لا. إلا أن يجئ من مغيبه) فإن الأول دل على أنه كان يصليها دائما لما تدل عليه كلمة كان فإنها تدل على التكرار، والثانية دلت على أنه كان لا يصليها إلا في حال مجيئه من مغيبه وقد جمع بينهما. فإن كلمة كان يفعل كذا لا تدل على الدوام دائما بل غالبا، وإذا قامت قرينة على خلاف صرفتها عنه كما هنا، فإن اللفظ الثاني صرفها عن الدوام وأنها أرادت بقولها: لا إلا أن يجئ من مغيبه نفي رؤيتها صلاة الضحى، وأنها لم تره يفعلها إلا في ذلك الوقت، واللفظ الأول إخبار عما بلغها في أنه ما كان يترك صلاة الضحى إلا أنه يضعف هذا قوله، (وله) أي لمسلم وهو أيضا في البخاري بلفظه، فلو قال ولهما كان أولى (عنها) أي عائشة (ما رأيت رسول الله (ص) صلي قط سبحة الضحى) بضم السين وسكون الباء أي نافلته، (وإني لأسبحها) فنفت رؤيتها لفعله (ص) لها،