أو ذكرا أو أي أنواع القرب، وهذا هو القول الأرجح دليلا، وقد أخرج الدارقطني : أن رجلا سأل النبي (ص) أنه كيف يبر أبويه بعد موتهما فأجابه: بأنه يصلي لهما مع صلاته ويصوم لهما مع صيامه. وأخرج أبو داود من حديث معقل بن يسار عنه (ص): اقرأوا على موتاكم سورة يس وهو شامل للميت بل هو الحقيقة فيه، وأخرج الشيخان أنه (ص) كان يضحي عن نفسه بكبش وعن أمته بكبش . وفيه إشارة إلى أن الانسان ينفعه عمل غيره وقد بسطنا الكلام في حواشي ضوء النهار بما يتضح منه قوة هذا المذهب.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص): (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا) أي وصلوا (إلى ما قدموا) من الأعمال (رواه البخاري). الحديث دليل على تحريم سب الأموات. وظاهره العموم للمسلم والكافر. وفي الشرح: الظاهر أن مخصص بجواز سب الكافر لما حكاه الله من ذم الكفار في كتابه العزيز كعاد وثمود وأشباههم.
قلت: لكن قوله قد أفضوا إلى ما قدموا علة عاملة للفريقين معناها أنه لا فائدة تحت شبهم والتفكه بأعراضهم، وأما ذكره تعالى للأمم الخالية بما كانوا فيه من الضلال فليس المقصود ذمهم بل تحذيرا من تلك الأفعال التي أفضت بفاعلها إلى الوبال وبيان محرمات ارتكبوها . وذكر الفاجر بخصال فجوره لغرض جائز، وليس من السب المنهي عنه فلا تخصيص بالكفار ، نعم الحديث مخصص ببعض المؤمنين كما في الحديث: أنه مر عليه (ص) بجنازة فأثنوا عليها شرا الحديث وأقرهم (ص) على ذلك بل قال: وجبت أي النار ثم قال: أنتم شهداء الله. ولا يقال إن الذي أثنوا عليه شرا ليس بمؤمن لأنه قد أخرج الحاكم في ذمه: بئس المرء كان لقد كان فظا غليظا. والظاهر أنه مسلم إذ لو كان كافرا لما تعرضوا لذمه بغير كفره. وقد أجاب القرطبي عن سبهم له وإقراره (ص) لهم بأنه يحتمل أنه كان مستظهرا بالشر ليكون من باب لا غيبة لفاسق، أو بأنه يحمل النهي عن سب الأموات على ما بعد الدفن. قلت: وهو الذي يناسب التعليل بافضائهم إلى ما قدموا فإن الافضاء الحقيقي بعد الدفن.
(وروي الترمذي عن المغيرة نحوه) أي نحو حديث عائشة في النهي عن سب الأموات (لكن قال) عوض قوله فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا (فتؤذوا الاحياء) قال ابن رشد: إن سب الكافر يحرم إذا تأذى به الحي المسلم. ويحل إذا لم يحصل به الأذية، وأما المسلم فيحرم إلا إذا دعت الضرورة كأنه يكون فيه مصلحة للميت إذا أريد