من تصدق بماله كله وكان صبورا على الفاقة ولا عيال له أو له عيال يصبرون فلا كلام في حسن ذلك ويدل له قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم) * * (ويطعمون الطعام على حبه) * ومن لم يكن بهذه المثابة كره له ذلك. وقوله: ومن يستعفف أي عن المسألة يعفه الله أي يعينه الله على العفة ومن يستغن بما عنده وإن قل يغنه الله بإلقاء القناعة في قلبه والقنوع بما عنده.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟
قال: جهد المقل، وابدأ بمن تعول أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان) الجهد بضم الجيم وسكون الهاء الوسع والطاقة وبالفتح المشقة، وقيل: المبالغة والغاية. وقيل: هما لغتان بمعنى قال في النهاية: أي قدر ما يحتمله القليل من المال وهذا بمعنى حديث سبق درهم مائة ألف درهم رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مائه ألف درهم فتصدق بها أخرجه النسائي من حديث أبي ذر ، وأخرجه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة، ووجه الجمع بين هذا الحديث والذي قبله ما قاله البيهقي ولفظه: والجمع بين قوله (ص): خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وقوله: أفضل الصدقة جهد المقل أنه يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية وساق أحاديث تدل على ذلك.
(وعنه) أي أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
تصدقوا فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار؟ قال: تصدق به على نفسك قال : عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم. ولم يذكر في هذا الحديث الزوجة وقد وردت في صحيح مسلم مقدمة على الولد. وفيه أن النفقة على النفس صدقة وأنه يبدأ بها ثم على الزوجة ثم على الولد ثم على العبد إن كان أو مطلق من يخدمه ثم حيث شاء ويأتي في النفقات تحقيق النفقة على من تجب له أولا فأولا.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي (ص): إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة) كأن المراد غير مسرفة في الانفاق (كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا متفق عليه). فيه دليل جواز تصدق المرأة من بيت زوجها، والمراد إنفاقها من الطعام الذي لها فيه تصرف بصفته للزوج ومن يتعلق به شرط أن يكون ذلك بغير إضرار وأن لا يخل بنفقتهم. قال ابن العربي: قد اختلف السلف في ذلك فمنهم من أجازه في الشئ اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان، ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الاجمال، وهو اختيار البخاري ويدل له ما أخرجه