الأصح وقفه عليه، وإن سبق أن له حكم المرفوع فهو لا يقاوم الأدلة الدالة على عدم الايجاب، والايجاب قد يطلق على المسنون تأكيدا كما سلف في غسل الجمعة، وقوله: بخمس وبثلاث أي: ولا يقعد إلا في آخرها، ويأتي حديث عائشة في الخمس. وقوله: بواحدة ظاهره مقتصرا عليها، وقد روى فعل ذلك عن جماعة من الصحابة، فأخرج محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد: أن عمر قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها. وروى البخاري: أن معاوية أوتر بركعة وأن ابن عباس استصوبه.
(وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله (ص) رواه الترمذي والنسائي وحسنه والحاكم وصححه) تقدم أنه من أدلة الجمهور على عدم الوجوب. وفي حديث علي هذا عاصم بن ضمرة تكلم في غير واحد وذكره القاضي الخيمي في حواشيه على بلوغ المرام ولم أجده في التلخيص، بل ذكر هنا أنه صححه الحاكم ولم يتعقبه فما أدري من أين نقل القاضي ثم رأيت في التقريب ما لفظه: عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي صدوق من السادة، مات سنة أربع وسبعين.
(وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قام في شهر رمضان ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج، وقال: إني خشيت أن يكتب عليكم الوتر. ورآه ابن حبان) أبعد المصنف النجعة. والحديث في البخاري إلا أنه بلفظ: أن تفرض عليكم صلاة الليل، وأخرجه أبو داود من حديث عائشة، ولفظه: أن النبي (ص) صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله (ص)، فلما أصبح قال:
قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم هذا، والحديث في البخاري بقريب من هذا.
وأعلم أنه قد أشكل التعليل لعدم الخروج بخشية الفرضية عليهم مع ثبوت حديث: هي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي، فإذا أمن التبديل كيف يقع الخوف من الزيادة؟
وقد نقل المصنف عنه أجوبة كثيرة وزيفها، وأجاب بثلاثة أجوبة، قال: إنه فتح الباري عليه بها وذكرها واستجود منها أن خوفه (ص) كان من افتراض قيام الليل يعني جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة التنقل بالليل قال: ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فمنعهم من التجمع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه انتهى. قلت:
ولا يخفى أنه لا يطابق قوله: أن تفرض عليكم صلاة الليل كما في البخاري، فإنه ظاهر أنه خشية فرضها مطلقا، وكان ذلك في رمضان، فدل على أنه صلى بهم ليلتين. وحديث الكتاب أنه صلى بهم ليلة واحدة وفي رواية أحمد: إنه (ص) صلى بهم ثلاث ليال