وهذه أفعال صحابة بعد وفاته لا دليل فيها لانحصار الأدلة في الأربعة نعم هذه الأفعال جائزة على أصل الإباحة وقد أخرج الترمذي من حديث عائشة أن النبي (ص) قبل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي أو قال: وعيناه تذرفان.. قال الترمذي:
حديث عائشة حسن صحيح.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه رواه أحمد والترمذي وحسنه) وقد ورد التشديد في الدين حتى ترك (ص) الصلاة على من مات وعليه دين حتى تحمله عنه بعض الصحابة، وأخبر (ص) أنه يغفر للشهيد عند أول دفعة من دمه كل ذنب إلا الدين. وهذا الحديث من الدلائل على أنه لا يزال الميت مشغولا بدينه بعد موته - ففيه حث على التخلص عنه قبل الموت، وأنه أهم الحقوق، وإذا كان هذا الدين المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصبا ونهبا وسلبا؟
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (ص) قال في الذي سقط عن راحلته فمات) وذلك هو واقف بعرفة على راحلته كما في البخاري: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين متفق عليه) تمامه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه وبعده في البخاري فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. الحديث دليل على وجوب غسل الميت، قال النووي: الاجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، قال المصنف بعد نقله في الفتح: وهو ذهول شديد فإن الخلاف فيه مشهور عند المالكية، حتى إن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة. ولكن الجمهور على وجوبه، وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك وقال:
وقد توارد القول والعمل وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه؟. ويأتي كمية الغسلات في حديث أم عطية قريبا. وقوله: بماء وسدر ظاهره: أنه يخلط السدر بالماء في كل مرة من مرات الغسل، قيل: وهو يشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، لأن الماء المضاف لا يتطهر به، قيل: وقد يقال يحتمل أن السدر لا يغير وصف الماء فلا يصير مضافا، وذلك بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة، وقال القرطبي يجعل السدر في ماء ثم يخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسد الميت ثم يصب عليه الماء القراح هذه غسلة، وقيل: لا يطرح السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيغير وصف الماء المطلق. وتمسك بظاهر الحديث بعض المالكية فقال: غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزي الماء المضاف كما الورد ونحوه ، وقالوا: إنما يكره لأجل السرف. والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في الاغتسالات الواجبة والمندوبة. وفي الحديث النهي عن تحنيطه ولم يذكره المصنف كما عرفت، وتعليله بأنه يبعث ملبيا يدل على أن علة النهي كونه مات محرما، فإذا انتفعت العلة انتفى النهي، وهو يدل على أن الحنوط للميت كان أمرا متقررا عندهم. وفيه أيضا النهي عن تخمير وتغطية رأسه لأجل الاحرام، فمن ليس بمحرم يحنط ويخمر رأسه. والقول بأنه ينقطع حكم الاحرام بالموت كما تقول الحنفية وبعض المالكية خلاف الظاهر، وقد ذكر